رسالة ثلاثية واضحة للحريري… حذار تقديم التنازلات
كتب حسين أيوب في “1980 بوست”: يسأل كثيرون عن سر توقيت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري إلى القاهرة ومنها إلى الإمارات، في إنتظار موعد ثالث في العاصمة الفرنسية.
فخلال الإجتماع الذي عقده الحريري مع الرئيس المصري، ابدى عبد الفتاح السيسي دعمه للمبادرة الفرنسية، وقال إن باريس تنسق خطواتها مع القاهرة، بشكل مستمر، وعلى لبنان ألا يخسر هذه الفرصة لأنه لا يملك أصلاً ترف المفاضلة، في ظل إنكفاء المبادرات الدولية والعربية لا بل حالة اليأس من الملف اللبناني.
كان اللافت للإنتباه في الموقف المصري هو الآتي:
أولاً، تؤيد القاهرة تأليف حكومة مهمة من الإختصاصيين برئاسة الحريري وتحثه على عدم تقديم أية تنازلات من شأنها الإضرار بالمهمة المسندة إليه وإلى أهدافها، وفي الوقت نفسه، تدعو القاهرة الحريري إلى التمسك بمواقفه وعدم تقديم أية تنازلات، ولا سيما الإعتذار عن المهمة المُسندة إليه.
ثانياً، ليس مسموحاً لأية جهة لبنانية أن تقدم المصالح الحزبية والفئوية على مصلحة لبنان العليا. هذه النقطة تحمل في طياتها إشارة مصرية واضحة إلى أن ليس مسموحاً للحريري تقديم أية تنازلات لأي فريق، ولا سيما إلى جبران باسيل، سواء في موضوع الثلث المعطل أو في موضوع تسمية الوزراء الحزبيين. لا بل ذهب المصريون أبعد من ذلك بتبني الموقف الفرنسي ـ الأوروبي الداعي إلى أن تحظى تسمية أربعة وزراء أساسيين في الحكومة بقبول المجتمع الدولي وهذه الوزارات هي: المالية، الطاقة، الإتصالات والإقتصاد وليس حقيبة الأشغال العامة، كما كان يُردد البعض سابقاً، وهذا الأمر يدل على تركيز المجتمع الدولي على الوزارات التي تدرُّ أو تُديرُ أموالاً وليس تلك التي تصرف على طريقة وزارة الأشغال العامة التي سيتقلص إنفاقها إلى أضيق الحدود في الموازنات المقبلة.
ثالثاً، تحذير مصري للحريري من تقديم أية تنازلات تحت عنوان إنقاذ الوضع للخروج من المأزق، فأي تنازل عن مندرجات المبادرة الفرنسية (الدولية) بحجة الإنقاذ سيكون عبارة عن إنتحار لأنه إذا قبل بشروط جبران باسيل أو أي طرف داخلي، يمكن أن يشكل حكومة تدير الإنهيار والخراب، ولكنه لن يجد أحداً في المجتمع الدولي يصرف قرشا لأجل إنقاذ لبنان. وكان جواب الحريري للمصريين أنه ليس في وارد التنازل عن اللاءات التي ألزم نفسه بها.
رابعاً، إتفق المصريون مع الفرنسيين على إبقاء قنواتهم مفتوحة، وبينما كان الحريري مجتمعاً بالسيسي، كانت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو تعقد إجتماعاً تفصيلياً مطولاً مع سفير مصر في لبنان ياسر علوي، خصص لتقييم المعطيات الدبلوماسية المتصلة بالمبادرة الفرنسية، ومنها التواصل الذي جرى في الأيام الأخيرة على خط باريس ـ طهران، وتبلغ خلاله الفرنسيون موقفاً إيرانياً مباركاً للمبادرة الفرنسية، على أن نقطة الإلتباس التي يدركها المصريون ولا يحسن التعامل معها الفرنسيون هي طبيعة العلاقة التي تربط إيران بحزب الله، فالحزب في الموضوع اللبناني هو الذي يفصّل وليس الإيراني، وهذا لا ينفي أن الحزب أمام خيارين كلاهما صعب: إما أن “يتخلى” عن شريكه المسيحي لينقذ البلد، أو أن يتحمل مسؤولية انهيار البلد.
وتابع: بحسب المعطيات الدبلوماسية، لا رؤية إماراتية للملف اللبناني، ثم لا موقف خليجيا موحدا إزاء لبنان. بات لبنان مهملاً، وفق حسابات أهل الخليج. يدعم الإماراتيون المبادرة الفرنسية، وهذه النقطة كانوا قد أبلغوها إلى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، على هامش زيارته الأخيرة إلى ابو ظبي والتي أفضت إلى إطلاق سراح عدد من الموقوفين اللبنانيين في الإمارات.
يقول الإماراتيون للمرة الأولى منذ سنوات إنهم مستعدون للإستثمار في لبنان (وليس لتقديم أي دعم أو ودائع)، شرط أن يتوفر الإستقرار السياسي، والمدخل للإستقرار يكون بتشكيل حكومة تلبي تطلعات المجتمع الدولي “بعيداً عن الإملاءات الإقليمية والحزبية والفئوية”!
هل فوجىء المصريون بالبيان الفرنسي ـ الأميركي الذي صدر عن وزيري خارجيتي البلدين أنتوني بلينكين وجان إيف-لودريان بشأن لبنان، لمناسبة مرور ستة أشهر على إنفجار مرفأ بيروت؟
يجيب المصريون:”أبداً، هذا البيان كان نتاج دينامية أطلقها الإتصال الأول الذي أجراه الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهذه الدينامية لها مندرجاتها التي ستشمل إجراء إتصالات أميركية ـ أوروبية وأميركية ـ عربية قبل أن يخطو الأميركيون خطوتهم الأولى بإتجاه طهران”.
وماذا عن مضمون البيان الأميركي ـ الفرنسي، وهل التفويض الأميركي للفرنسيين لبنانياً محكوم بسقف زمني معين؟ للبحث صلة.