الحريري.. وفرصة الإمساك ببيضة التوازنات الداخلية!
جاء جو بايدن ولم تتشكل الحكومة وانكشف جليا أن العقدة ليست خارجية وأن استحقاق تأليف الحكومة لم يكن ينتظر الإدارة الأميركية الجديدة. فالمشكلة بصورة أساسية محلية وترتبط بموقف الطرفين المعنيين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. فمواقف الفريقين التي أعلنت خلال الأسبوعين الماضيين وتحديداً منذ لحظة التسريب الصوتي لرئيس الجمهورية تشي باستمرار معضلة التشدد من قبل “بعبدا” و”بيت الوسط”، حيث بات كل من الرئيس عون والرئيس المكلف يميلان إلى التصعيد وعدم الزحزحة عن المواقف الاصلية التي سبق أن أعلناها.
يبدو البلد أمام مشكلة مفتوحة. فـ”التيار الوطني الحر” لا يحتمل تصور نفسه في ما لو قرر التراجع لأنه يعتبر ذلك بمثابة الضربة القاضية لكل آماله بإعادة امتلاك زمام المبادرة وترميم الشعبية المتدهورة والإمساك بناصية القرار السياسي في المرحلة الحرجة المتبقية من عمر العهد. اما على خط الرئيس المكلف ومن خلفه تيار “المستقبل” لا يشعرون بالحشرة على الإطلاق، ويعتبرون أن فرصتهم الكبيرة السانحة للعودة إلى السلطة والإمساك ببيضة التوازنات الداخلية هي فرصة ثمينة لا يجوز التفريط بها ولحظة استثنائية يتقاطع فيها الدعم الفرنسي مع عدم “الممانعة الاميركية” ومع حصرية الدور الانقاذي المؤمل على المستوى الداخلي.
كثيرون لا يفهمون عدم إلقاء الثنائي الشيعي بثقله للعمل لإيجاد مخارج لتصلب الطرفين المعنيين بمواقفهما، خاصة وأن الرئيس نبيه بري لديه القدرة الكافية والأدوات المطلوبة للتفاهم مع الرئيس المكلف؛ أما شريكه “حزب الله” فهو الطرف الوحيد الذي من المفترض أنه قادر على إقناع الجنرال عون وربما الضغط عليه لتليين موقفه؛ في حين أن البعض يجنح باتجاه الارتياب من موقف حارة حريك وعين التينة ويربطه بالتطور المرتقب للعلاقات الأميركية – الإيرانية؛ لكن من ناحية الثنائي الشيعي نفسه، فإن قراءة أخرى لديه، فهو يرفض وفق مصادره لـ”لبنان24″ أن يفسر موقفه على قاعدة ربطه بأي تطورات اقليمية مرتقبة ويعتبر أن مصلحته لا ريب فيها بأن تتشكل الحكومة اليوم قبل الغد، لأن مسار الانهيار في الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية يستهدف بالدرجة الاولى مشروعه ودوره، لكن ما لا يتفهمه كثيرون، وفق المصادر نفسها، هو أن الثنائي يكاد يكون عاجزا عن إيجاد المخارج. فالرئيس بري لديه خيبات كثيرة من الرئيس الحريري في مفاصل مختلفة، وعلاقته على المستوى الضمني مع الرئيس عون والنائب باسيل في أسوأ ما يكون.
أما “حزب الله”، فالأكيد أنه مقيد بقاعدة حديدية رسمها لنفسه وتتمثل بعدم الافتراق عن الرئيس عون والنأي عن ممارسة أي ضغط قد يزيد العلاقة بينه وبين “التيار الوطني الحر” التباسا، لا سيما وأن القسم الأكبر من قواعد التيار البرتقالي بات يحمّل العلاقة مع “حزب الله” الجزء الأكبر من الاخفاقات التي أصابات تكتل “لبنان القوي”، لهذا يرمي “حزب الله”، وفق المصادر نفسها، إلى مساعدة “التيار الوطني الحر” على التماسك مجددا وتجميع أوراق القوة لديه وليس العمل على حشره في زاوية التنازلات التي تستدعيها عملية التكليف، في حين أن علاقة “حزب الله” بالرئيس الحريري هي علاقة القنوات المفتوحة والتواصل المستمر والتقدير لمدى حاجة الساحة اللبنانية للحريري كرئيس الحكومة في هذه المرحلة، لكن كل ذلك لا يعني أن العلاقة معه هي علاقة تناغم أو انسجام.
المعضلة مستمرة وتشكيل الحكومة أمام عقبات ليس من ضمانات لإيجاد حلول عاجلة لها. لكن هل من مفاجآت ستبرز في المواقف الدولية وتحديدا الفرنسية – الاميركية لممارسة مستوى أعلى من التهديد والتدخل على الطرفين المعنيين كي يشهد البلد ولادة حكومية بالاستناد إلى المستجد الذي تمثله إدارة بايدن التي ستسعى إلى إعادة تهدئة الملفات الملتهبة في الشرق الاوسط. فهذه الإدارة لم تحدد لغاية اللحظة مواقفها التفصيلية تجاه هذه الملفات من العراق واليمن إلى لبنان ففلسطين والملف النووي الإيراني، ذلك أن خطاب فريق بايدن أثناء الانتخابات الأميركية إنما صب في مجمله عند شعار تخفيض التصعيد في الشرق الاوسط.
فهل على لبنان إلى الانتظار أم أن مسار الفراغ الحكومي سيستمر إلى موعد الانتخابات النيابية في2022؟