خشية من ردّة فعل عكسيّة على الإقفال.. فقراء الأحياء المهمّشة: التحايل على للبقاء!
كتبت رحيل دندش في “الأخبار”: أرخت أيام الإقفال بثقلها على آلاف العائلات التي تعتمد في معيشتها على ما تجنيه في يومها. أول من أمس، دخلت البلاد عزلة كاملة، ولم يعد هؤلاء قادرين على الالتحاق بعملهم اليومي. سدّت «منافذ» معيشتهم وباتوا عاطلين من العمل… وربما مع الوقت عن الأكل والشرب.
عمال بناء. حلاقون. خياطون. وغيرهم كثيرون ممن وجدوا أنفسهم في تلك اللحظة الحرجة التي تعيشها البلاد بلا حولٍ ولا قوة. بعضهم استدرك الواقع مسبقاً، فخبأ بعض «القروش البيضاء» لهذه الأيام السوداء، فيما الآخرون، وهم كثر، لم تكن أحوالهم المعيشية تسمح لهم بهذا التدبير. هم اليوم الأشد غربة… لؤي، «الكهربجي» المياوم، واحد منهم. في الآونة الأخيرة، وقبل أن يتخذ قرار الإقفال، أقفل محله في برج البراجنة وعمد إلى ممارسة عمله «أونلاين». يدور على البيوت ويصلح الأدوات الكهربائية. لكن لم يحسب لؤي أن يصل إلى الوقت الذي ينتهي فيه هذا العمل أيضاً، فمع الإقفال لم يعد باستطاعة الرجل أن يخرج من البيت. ولكن، هل سأل أحد من المعنيين كيف سيتدبر هذا المياوم معيشته؟ بدل إيجار بيته؟
حال لؤي هي نفسها حال الخياط علي في حي ماضي. الرجل الذي أقفل محله هو الآخر لسببين، أولهما أن «الإجر خفّت» ولم يعد باستطاعته دفع إيجار المحل، وثانيهما بسبب الإقفال. اليوم، يبدأ علي عطلته القسرية، مع ذلك، يحاول أن يبقى متفائلاً، لأن «الصحة أهم شي ورح أشرح الوضع لصاحب المحل وهو متعاون». يأمل الناس في مثل هذه الأحوال شيئاً من التضامن الاجتماعي. لكن ثمة مصاريف ضرورية لا تحتمل الصبر والتأجيل كحليب الأطفال والحفاضات، كما يشكو إدريس، عامل التوريق والطرش الذي تراجعت أعماله في السنتين الأخيرتين، فيما بعض الورش التي يتسلمها يشترط عليه أصحابها أن يحاسبوه على سعر 1500 ليرة. اليوم، لا أعمال و«أنا مديون للدكانة وللصيدلية وهلأ التسكير عطّل ورشة في الجنوب». القصص كثيرة، لكن هناك من يحاول التحايل على القرارات التي تأتي من فوق ولا تبالي بأوجاع الناس وحاجاتهم. هكذا، قرر سائق أحد الفانات عند موقف حي السلم أن ينقل موظفين يعملون في المستشفيات كي لا يخسر عمله الوحيد. من دون ذلك التحايل، يقول الرجل بأنه «ما مناكل». سائق آخر يقول إنه سيلتزم بقرار الإقفال وسيبقى في المنزل. عن سبب هذا الالتزام، يجيب بأنه رفع «أجرة الفان في الأيام الثلاثة الماضية من 1500 ليرة إلى 2000 ليرة حتى نستطيع أن نتخذ هذا الخيار».
«القرارات من فوق غالباً مرتجلة وغير مدروسة كفاية». هذا ما يقوله رئيس خلية الطوارئ للحدّ من انتشار كورونا في الضاحية زهير جلول. وهو إذ يحمّل جزءاً من المسؤولية للناس الذين لم يلتزموا بإجراءات الحماية، إلا أن القرارات التي يتخذها المعنيون «مشكلتها أنها لا تعزز صمود الناس وخصوصاً الناس في المناطق الفقيرة مثل حي السلم وبرج البراجنة والليلكي وصحراء الشويفات والمخيمات، حيث أغلب الناس من الفقراء ويعتمدون على أعمالهم الحرة». يخشى جلول من أن هذه القرارات «سترتد بطريقة عكسية، فإن ضغط الناس على أنفسهم لثلاثة أيام، من المؤكد أن الانفجار سيكون في اليوم الرابع، وهذا مفهوم لأنهم لا يمكن أن يبقوا بلا مورد مالي لمدة 11 يوماً».
«الوضع سيئ جداً»، كما يصفه جلول، حتى «الأحزاب الكبيرة لا تستطيع تلبية حاجات كل العائلات». أما المساعدات التي أقرّتها الدولة للعائلات الفقيرة، فلا تفي بالغرض اليوم، وخصوصاً أنها حين أقرّت «كان الدولار بـ 4 آلاف ليرة، أما اليوم فقد وصل إلى 9 آلاف». أضف إلى ذلك أن قاعدة الفقراء توسعت كثيراً بسبب الأوضاع الصعبة، وحتى العمل الخيري «تراجع مع تأزم الوضع».
لكل تلك الأسباب، يحار الناس في أمرهم، بين الالتزام بقرار الإقفال للحدّ من الإصابات وبين معيشتهم. ولذلك، اختار البعض في المناطق الفقيرة ممارسة التحايل للاستمرار في أعمالهم اليومية كي لا تنقطع لقمة عيشهم. هكذا، مثلاً، يلجأ أصحاب معظم المحال التجارية إلى وضع مواد غذائية لإبقاء محالهم مفتوحة، و«هيك بيسكتوا عنا الدرك»، يقول صاحب محل للسجاد. محل آخر لبيع الأدوات المنزلية والبلاستيكية كدّس محله بعد أول إقفال بالمواد الغذائية لتبقى أبوابه مفتوحة، حتى في ظل الإقفال الشامل. لا يستطيع هؤلاء أن يبقوا مكتوفي الأيدي، فـ«الفقر لا يرحم»، يقول أحد المياومين. ولذلك، «سنفعل كل ما في وسعنا كي لا تنقطع لقمتنا».