من يحقّ له تفسير الدستور؟
لا شك في أن الدستور اللبناني يحتاج في بعض مواده الملتبسة إلى تعديل أو أقله إلى تفسير. فمن هي الجهة الصالحة التي يحق لها هذا التفسير؟
إن هذه الإشكالية طرحت على أثر ما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أن “دور المجلس الدستوري لا يجوز ان يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور وفق ما جاء في الاصلاحات التي وردت في وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف في العام 1989”.
واعتبر رئيس الجمهورية انه “من الطبيعي ان يتولى المجلس، وهو ينظر في دستورية القوانين، تفسير الدستور، لأن القوانين تصدر انسجاما مع القواعد الدستورية المحددة وتترجم نية المشترع المرتكزة اساسا على نصوص الدستور”.
هذا الكلام إستدعى ردود فعل من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي، اللذين إعتبرا أن مجلس النواب هو الوحيد المخّول وفق منطوق إتفاق الطائف تفسير الدستور وليس أي جهة أخرى.
كما أنه لا يحقّ لأي جهة إدخال تعديلات على الدستور سوى الجهة التي تشرّع القوانين، وبالتالي هي الجهة التي أقرّت الدستور في الطائف، أي مجلس النواب الذي ينطق بإسم الشعب اللبناني الذي إنتدبه لهذه الغاية التشريعية.
وبعيدًا عن الجدليات، التي لا طائل منها في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى سلطة تنفيذية تواكب عمل السلطة التشريعية، فإن ثمة مواد كثيرة في الدستور، وهي تحتاج إلى تفسير دستوري مرّة واحدة وأخيرة، إذ أن فتح باب التعديل الدستوري في هذه الأجواء المحمومة قد تدفع بشهية البعض إلى المطالبة بأكثر مما هو مطلوب في الوقت الحاضر، كمطالبة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مثلً بتعديل المادة التي لا تحدّد مهلة زمنية للرئيس المكّلف تشكيل الحكومة، وهذا الأمر من شأنه أن يفتح الباب واسعًا أمام تعديلات أخرى ليس آوانها في الظرف الحاضر. وكان حري على باسيل وفريقه السياسي تسهيل مهمة الرئيس المكّلف وتسريع عملية التشكيل وعدم وضع العراقيل أمامه ووضع العصي في الدواليب، وبذلك يكون الرئيس المكلف قد وُضع على السكّة الصحيحة للتشكيل.
أمّا أن تحدّد المهلة الزمنية لتشكيل الحكومة فهذا يعني حشر أي رئيس مكلف في زاوية التشكيل كيفما كان أو الإعتذار، وهو أمر ينتقص من صلاحيات رئاسة الحكومة، التي تخّطاها العهد أكثر من مرّة عندما حاول رئيس الجمهورية ضع تصور لشكل الحكومة قبل الإستشارات النيابية الملزمة، وهذا ما عارضه بشدّة رؤساء الحكومات السابقون، الذين أعتبروا هذا الأمر تعدّيًا صارخًا على صلاحيات الرئاسة الثالثة، وهو يخالف الدستور الذي أناط بالرئيس المكلف مهمة تشكيل الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، الذي أناط به الدستور أيضًا مهمة توقيع مراسيم التشكيل.
وحسمًا لأي جدل حول الجهة التي يحقّ لها تفسير الدستور أو تعديله فإن الجهة التي وضعت الدستور هي صاحبة الحق الوحيدة ونقطة على السطر.