عندما يصبح البلد معلقا على “إذا”
كان لافتًا الخبر الذي تمّ توزيعه بالأمس عن إتصال رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مُعزيًّا بوفاة شقيقه. ويقول الخبر أن الاتصال كان مناسبة لتبادل الافكار بما يتعلق بالحكومة “اذا” كان هناك من “رغبة” في تأليفها.
فهل أصبح تأليف الحكومات في لبنان خاضعًا للأمزجة وللرغبات، أم أنه واجب وطني يحتمه الدستور قبل أي شيء آخر، لأن البلاد لا يمكن أن تدار من دون حكومة تأخذ على عاتقها مسؤولية الإنقاذ، وبالأخص في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان واللبنانيون، الذين أصبحوا بمجملهم تحت خطّ الفقرن وذلك بسبب مزاجية أهل السلطة.
ويتبين لنا بالحس الملموس أن هؤلاء الذين يسمّون انفسهم مسؤولين إنما يتلهون و”يلعبون” بأعصاب الناس، الذين لم يعد في مقدورهم التحمّل أكثر مما تحمّلوه نتيجة سوء إدارة الدولة والإهتمام بكل شيء إلاّ بما يفيد الوطن والمواطن على حدّ سواء.
فهل بهذه الطريقة تُدار أمور البلد وشؤون الناس، وهل أصبح مصير البلد مرهونًا برغبة فلان أو علتان، أو أنه كرمى لعيون هذا الفريق أو ذاك الطرف يتعطّل البلد وتُشّل فيه الحركة الإنتاجية على أيدي حكومة تصريف أعمال، بدلًا من تشكيل حكومة أصيلة لا يكون لديها همّ سوى همّ واحد، وهو التفتيش عن الطريقة الفضلى لإنتشال الوطن من الهوة السحيقة، التي أنُزل إليها عن سابق تصوّر وتصميم.
هذا ما يبدو جليًا وواضحًا وإلاّ لكانت حكومة المبادرة الفرنسية قد شكّلت منذ الأسبوع الأول لتكليف الرئيس الحريري تشكيلها، من دون أن توضع في طريقه العراقيل والمعوقات الكثيرة، وذلك من أجل تقويم كلام من هنا أو من أجل فرض أمر واقع جديد من خلال حصر الثلث المعطّل بفئة واحدة من السياسيين، الذين يعرفون جيدًا أن هذه الحكومة ستعمّر حتى نهاية العهد مع ما نسمع من همسات بأن الفراغ سيكون هو المسيطر مرّة جديدة، وبأن هذه الحكومة التي يفترض بها أن تسدّ هذا الفراغ.
فلقد مرت مرور الكرام هذه الجملة اللافتة التي جاءت في متن الخبر، الذي يمكن أن يقال عنه بأنه “سهوة”. فنحن لا نشكك ولا لحظ بحرص دولة الرئيس نبيه بري وغبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي على بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على الدستور والاسراع في تشكيل الحكومة ، ولكن عبارة ” اذا” تشكل كارثة وطنية لم يشهد لها لبنان مثيلا:
كارثة لانها تثبت أن المعنيين بتشكيل الحكومة، يرقصون بالبلد على حافة الانهيار الكامل، بسبب الخلاف على الحصص والاهواء الشخصية.
كارثة لان جريمة بحجم تفجير مرفأ بيروت لم تهز ضمائرهم بشيء وما زال التعطيل قائما على ” الثلث المعطل” فيما البلد دخل الشلل التام.
كارثة أن تترك البلاد من دون حكومة في هذه الظروف الخطيرة.
كارثة ألا يكون لدى أهل الحكم أي إحساس بالمسؤولية.
لا يختلف اثنان ان المعنيين المباشرين بالتشكيل يعيشون حالة انفصال عن الواقع ويقنعون انفسهم او يقنعهم من حولهم ان الزمن وردي والامور بافضل حال، والمجال متاح للانقلاب على الدستور وابتكار اعراف جديدة تمنح ” القوي” قوة اضافية.
البلد على مشارف كارثة اسوأ من التي يعيشها لانه معلق على المزاجيات والاهواء الشخصية ولا حل” اذا” لم يحصل التغيير الحقيقي قبل فوات الاوان، وقبل خراب البصرة وقبل أن يصبح البلد فعل ماضٍ ناقص.