“القوات” 2020: تصدّي للحليف والخصم… وفي الـ2021 تحدّي قانون الإنتخاب
لا شك في أن مواقف حزب “القوات اللبنانية” منذ انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 ذهبت بعيدا لتحاكي المرحلة الراهنة نظرا إلى حاجة لبنان إلى معالجة جذرية لأوضاعه الاقتصادية والمالية الصعبة والحرجة التي تتحمل مسؤوليتها الطبقة الممسكة بالبلد. فـ”القوات” بشهادة خصومها قبل حلفائها ليست شريكة في الفساد الذي يعم مؤسسات الدولة ووزارتها، وهذا ما دفع في الكثير من الاحيان وزراء ونواب كتلة “الجمهورية القوية” ووزراء ونواب “حزب الله” الى التعاون في الحكومة وفي البرلمان باعتراف الطرفين.
يركزالدكتور سمير جعجع في اطلالاته على ثوابت “القوات” ولم يشذ يوما، وفق مصادر معراب عن قناعاته، فحزب “القوات” لا يقدم على اية خطوة سياسية من خارج رؤيته الوطنية، وقراراته المتصلة بالمؤسسات الدستورية ليست رهن تطورات موضعية أو آنية أو مرحلية أو ذاتية، ولعل العودة الى تاريخ الثاني من أيلول 2019 خير دليل على الاداء القواتي في ما يتصل بالواقع المعقد الذي يعيشه اللبنانيون، فجعجع قبل ثورة 17 تشرين كان قد دعا خلال الإجتماع الإقتصادي في قصر بعبدا يومذاك المشاركين الى التخلي عن السلطة والذهاب إلى حكومة جديدة توحي بالثقة لانقاذ لبنان من الإنهيار الإقتصادي، وهو على رأس كتلة الجمهورية القوية مجتمعة لا يزال على النهج نفسه رافضا التعاون مع الفريق الحاكم سواء في المشاركة بتسمية رئيس لتشكيل الحكومة أو المشاركة في الحكومة.
لقد ابتعدت “القوات” في العام 2020 عن خطاب استعادة الحقوق لتركز انطلاقا من مراجعة لعمل المؤسسات في السنوات الماضية على مسالتين اساسيتين تعتبرهما ركيزة الخروج من الانهيار السياسي والاقتصادي: المسألة الاولى ترتبط بضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون النافذ. والمسألة الثانية تتعلق بضرورة الذهاب الى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، ومع ذلك لا تغفل القوات ان عهد الرئيس العماد ميشال عون لم يكن على قدر طموحات اللبنانيين الذين كانوا يتأملون خيرا على صعيد الاصلاح، ومن هنا جاءت دعوتها اللامباشرة الى الرئيس عون للاستقالة من منطلق ان اي مسؤول وطني عندما يدرك ان مشروعه السياسي اصطدم بالحائط المسدود، يجب عليه ان يذهب الى الاستقالة افساحا في المجال امام غيره لانقاذ لبنان من الكوارث التي المت به، علما ان حزب القوات يرى ان اي انتخابات رئاسية جديدة في ظل الاكثرية الحالية سوف تنتج رئيسا من فريق 8 اذار، في حين ان الانتخابات النيابية في ربيع 2022 ستفضي الى اكثرية جديدة تنتج سلطة جديدة من راسها حتى اخمص قدميها بعد خريف 2022 موعد الانتخابات الرئاسية.
لا تتأثر معراب، وفق مصادرها، بالضغوطات المحلية او الخارجية، بدليل انها لم تستقل من البرلمان رغم كل الضغط الشعبي الذي مورس عليها وتحديدا بعد انفجار الرابع من اب في مرفأ بيروت، لأنها تدرك ان الاستقالة يجب ان تكون مدروسة جيداً وتبدي اقتناعا ان خطوتها بعدم الاستقالة كانت صائبة، فلو استقال نواب الجمهورية القوية لكان رئيس مجلس النواب نبيه بري نجح في اقرار قانون انتخابي جديد، لكن تقاطعها مع تكتل لبنان القوي نجح في قطع الطريق على ذلك.
من هنا تنطلق “القوات” في قراءتها لقانون الانتخاب وتاكيدها انها لن تتهاون وستخوض معركة شرسة لاجراء انتخابات مبكرة وبالحد الاقصى لكي تحصل الانتخابات في موعدها وفق القانون الحالي، من زاوية ان قانون الانتخاب يرتقي الى مستوى العيش المشترك وروح الدستور والميثاق، وان كل القوانين الانتخابية منذ العام 1992 حتى اليوم كانت اشبه بقوانين محادل وبوسطات وكانت مجحفة بحق الشعب اللبناني وتستهدف شرائح معينة في حين ان القانون النافذ هو اول قانون انتخابي تمثيلي حقيقي يفترض بالجميع التمسك به. وليس بعيدا، ترى القوات وفق المصادر نفسها ان الثنائي الشيعي اليوم ومن خلفه يحاول القيام بـ”ربط نزاع” مع هذا القانون من اجل عدم اجراء الانتخابات في موعدها لاقتناعه ان المزاج الشعبي بعد 17 تشرين 2019 تبدل، الامر الذي سيفقده الاكثرية التي ستنتقل الى ضفة اخرى، لذلك يتذرع برفضه هذا القانون كشماعة من اجل التمديد للمجلس الحالي.
في خضم كل التباين السياسي بين حزب “القوات” والقوى السياسية الاخرى، فقد ابقت كتلة الجمهورية القوية على المساحة المشتركة مع الكتل النيابية في البرلمان، فهي تعتبر وحتى اشعار آخر ان هذه المساحة التي لم تسقط حتى في “عز” الحرب الاهلية يجب أن تخصص وتستغل بدقة من اجل المواجهة التشريعية الهادفة، وقد نجحت، وفق مصادرها، في اقرار تشريعات عديدة لعل ابرزها رفع السرية المصرفية التي تحجج بها البعض لمنع التدقيق الجنائي الذي يفترض ان يبدأ بالتوازي في حسابات المؤسسات العامة ومصرف لبنان والوزارات، واقرارعقد تشغيل كهرباء زحلة لمدة سنتين، الذي جاء نتيجة حشد القوات الشعبي في زحلة المترافق مع اقتراح قانون تقدم به نائبا الجمهورية القوية جورج عقيص وسيزار المعلوف مع النائب عاصم عراجي.
واذا كانت “القوات” تعمل جاهدة وفق مصادرها عبر اقتراحات القوانين للمحافظة على الاحتياطي الإلزامي وعدم المس به، فانها بالتوازي مع ذلك لا تغفل دور القضاء في متابعة بعض ملفات الهدر والفساد في عدد من مرافق الدولة ومؤسساتها، فضلا عن اقتراح قانون استقلالية القضاء الذي تم التوقيع عليه من قبل النائب جورج عقيص ومن 8 نواب من الكتل الاخرى.
لن تستكين “القوات” في العام 2021 عن مواصلة جهودها لتحقيق ما تصبو اليه، وسوف تركز في خطابها على العناوين المطلبية والمعيشية والانتخابية وفق مبادئها وثوابتها كما تقول مصادر معراب، لكن السؤال المشروع هل ستسطيع وحيدة تحقيق ما تتطلع اليه في ظل خلافها العميق مع فريق 8 اذار، وتباينها مع الرئيس سعد الحريري وعلاقتها مع الحزب التقدمي الاشتراكي المحكومة بالتحالف على القطعة؟
ملفات الهدر والفساد المطروحة من قبل نواب تكتل الجمهوربة القوية عند القضاء (2)