أن يسأل لبناني عن أمنتياته بالعام الجديد
لم أتخيل في أفظع الكوابيس أنّ يأتي يوم أتنّمى فيه ما أتمنّاه بنهاية العام 2020، أنّا اللبنانية المفعمة بالحياة، العاشقة لعملي ومهنتي، الطموحة المجتهدة، تخلّيت عن كلّ أحلامي وطموحاتي، وارتضيت بالحدّ الأدنى من العيشة اللائقة.
لن أتمنّى أن أتقدّم في عملي لأبلغَ مراكز أعلى، لن أتمنّى أن أتابع دراستي لأنال ما أطمح إليه في شهادة الدكتوراه، لن أتمنّى أو بالأحرى لن أجرؤ على استذكار تمنّيات سابقة بأن أبتاع شقّة الأحلام في ربوع ست الدنيا بيروت، كلّها أمنياتٍ لغير زمنٍ لغير بلدٍ.
أقصى ما أتمنّاه أن لا يأتي يومٌ أحتاج لدواء لي أو لأيّ فردٍ من أفراد عائلتي ولا أجده، أقصى ما أتمنّاه أن لا يأتي يوم أجد نفسي وأفراد عائلتي بلا ضمانٍ صحي نتسوّل سريرًا على أبواب المستشفيات، أقصى ما أتمنّاه أن لا يزرع تجّار الوطن وشياطينه المزيد من نيتراتهم الحارقة بين بيوتنا، أقصى ما أتمنّاه أن لا أموت عند تقاطع إشارة ضوئية مطفأة، أقصى ما أتمنّاه أن لا تنال منّا رصاصة طائشة أو مقصودة في وضح النهار وعتمة الأمن، أقصى ما أتمنّاه أن لا أشهد على المزيد من الجائعين أمام حاويات النفايات، أقصى ما أتمنّاه أنّ تعيد المصارف بعض ما نهبته من جنى عمرنا بما يكفي لأقساط أولادنا في المدارس والجامعات، أقصى ما أتمنّاه أن أقنع ابني أنّ الجغرافيا التي نحيا فيها تسمّى وطنًا، أقصى ما أتمنّاه أن لا أعيش عذاب الضمير لأنّي لم أبحث لعائلتي عن وطنٍ بديل.
عذرًا على طموحاتي الدنيئة، عذرًا على تشويه مفهوم أمنيات العام الجديد، عذرًا على توصيف حالنا، لست متشائمة ولا نظرتي سوداوية، أعرف أنّ لبناننا سينهض من جديد، أعرف أن جبروت الطغيان تتحطّم عند أقدام جبل الباروك، أعرف أنّ الزوال لا يشبه بيروت الآشوريّة والبابليّة والإغريقيّة والرومانيّة والبيزنطيّة والأمويّة والعباسيّة والصليبيّة والمملوكيّة والعثمانيّة، أعرف أنّ خانات طرابلس وجوامعها وكنائسها التاريخية عصيّة على الإلغاء، أعرف أنّ جبيل
الفينيقيّة مدينة الثمانية آلاف عام خالدة، أعرف أنّ أعمدة بعلبك مدينة الشمس كانت ولا تزال رمزًا للشموخ، أعرف أنّ قلعة صيدا شاهدة على صمود لبنان منذ القدم، أعرف أن شواطىء صور ستبقى تنسج إيقونات ذهبية، أعرف أن ذاك النيرون وخلفه عاشقي الموت سيرحلون عن وطننا عاجلًا أم آجلًا، وسيعود لبنان منارة الشرق، ولكن قد لا أمتلك مقوّمات الصمود حتّى ذاك الحين.
بمقالي هذا أودّع العشرين عشرين، وكلّي رجاء بأن ينقلب العام الجديد على سلفه، ويطمئن اللبنانيين على حاضرهم ومستقبلهم، ويمنح بائعي الوطن على أرصفة الأقاليم بعضًا من الوطنية ليغلّبوا مصلحة بلدهم على حسابات أجنداتهم وأنانياتهم. بمقالي هذا أعايد قرّاء “لبنان 24” آملة أن يحمل الـ 2021 حلولًا لأزماتنا المالية الإقتصادية والسياسية.