لبنان

ميلادٌ في مذود الحقّ ولبنان

كتب المحامي الدكتور انطوان صفير على موقع mtv:

لا نحتفلُ بميلاد الطفل الإلهي في كل ٢٥ كانون الأول من كل عام، فهو دائمُ الميلاد والقيامة، وسيد الموت والحياة، بل نستذكِر أمثولات الميلاد وهي كثيرةٌ وكبيرةٌ تحاكي الضمائِرَ بين الحين والحين، لا بل في كل زمان وحين.

وأُمثولات الميلاد نبدأها من عالم الروح. ومن دون الروح لا شأن للإجتماع والسياسة والإقتصاد وما شابه، فبين الروحانيات والأرضيات- الماديات- المدنيات بونٌ شاسعٌ، إلاّ إذا تمثّلَ أهلُ الأرض بتعاليم ربّ الارض والسّماءِ وما سار عليه أهل السّماء.
أولُ الأمثولات هي أنَّ المسيح قد وُلِدَ في مِذود لا لتبيانِ الفقرِ فحسب، بل تضامناً مع الأكثر فقراً والأكثر ظلماً، والأكثر هواناً والأكثر تهميشاً من بيننا. هو أُمثولةٌ تضامنية مع الأضعف، وأُمثولةُ إنذار حياةٍ للأقوى، إذا أراد أن يسترشد بتعاليم المسيح وأن يعود الى ذاته والى الصراط المستقيم.
أمّا الأُمثولةُ الثانية فهي مقاربةُ الميلادِ مع لبنان، هذا الوطن الذي خرّجَ من أرضه أفواجاً من القديسين والصديقين والشهداءِ والشهود، هو هو! …لا يتبدّل، رغمَ محاولات طمس هويته والدّوسِ على مكوناتهِ الأساسية والتَطَلعِ الى كيانات لا تشبههُ.
فلبنان أرضُ الروح أولاً، والروحُ يعني محبةً وإنسانية لا جموحاً قاتلاً نحو سَلبِ المال العام والخاص، وتهميشاً للناس وضرباً لحقوقهم. وفي ضربِ الحقوق الأساسية تعدٍّ على سيّدِ الموت المَولُود طفلاً غيّر الزمان، والمصلوبِ والقائمِ مِنَ الموت وقد بدّل الإنسانية.
ولبنانُ الجريح ينتظرُ مولده الجديد، بعد النكباتِ التي صنَّعها أهلُ الخارجِ وبعضُ أهل الداخلِ ممن وُليوا الأحكام فينا وعلينا، جاهلين أنَّ السياسةَ هي فنٌ شريفٌ شديدُ الصعوبة يبغي الخيرَ العام على ما حددها المجمع الفاتيكاني الثاني. متناسين أنَّ “كبيركم” عليه أن يكون “خادمُكم”، غير آبهين لصلواتٍ سترتفع في كلِّ كنيسة وفي كل بيت، تتطلعُ الى السماء لتتّحد في مناجاةٍ وصلواتٍ لا تنقطع، وتلتقي وتلاقي صلوات أهل لبنانَ المنتشرينَ في أصقاعِ العالم، كلّهم يتضرعون أن يزولَ لا الكورونا فحسب، بل الوباءُ السياسي المستفحل فينا منذ عقود. هذا الوباء المتعددُ الأوجه والأيادي والأدوات والوسائل والأهداف والغايات. هو الذي شرّدَ شبابنا نحو هجرةٍ بعيدة، وقتلَ من قتل، واضطهد من دون هوان. فعانى أبناءُ اليوم وكأنهم يعيشونَ أُمثولاتِ الماضي وكأنَّ التاريخ يعيدُ نفسهُ.

كلُّ الميلاد في لبنانَ آتٍ يومَ يأتي فجرٌ آخر هو مسار صعب يرنو الى مسيرة ان بعدَ الصلب قيامة.
هكذا يا سيدي الطفل المُنير علّمتنا منذ ولادتِكَ في مِذود، وأنتَ ربّ الأَرباب.

mtv

مقالات ذات صلة