لبنان

يريدون حسّانًا آخر.. الأنانية تتفوق على عذابات اللبنانيين

أثبتت تجربة حسان دياب الفاشلة عدم جدوى إيكال مهمة الرئاسة الثالثة إلى شخصية لا تحظى بحاضنة سنيّة وازنة، خصوصًا في ظل المعادلة السياسية والطائفية القائمة، والتي تحكم موقعي الرئاسة الأولى والثانية. هذه الخلاصة يدركها جيدًا جميع الأفرقاء بمن فيهم “التيار الوطني الحر”، ولكنّ الأخير يتجاهلها عمدًا ويمضي قافزًا فوق إرادة الطائفة السنيّة بقصد إطباق كامل سيطرته عبر الأتيان برئيس حكومة طيّع، لا يرى حرجًا في الإنصياع العلني لطروحات أو ربما أوامر النائب جبران باسيل، تمامًا كما فعل الدكتور حسان دياب بجلسة التراجع عن تصويته ووزراء حكومته بشأن معمل سلعاتا، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.   

بحسب مصادر مطلعة تجربة دياب هذه بدت مناسبة للعهد الذي يعمد إلى تكرارها في الحكومة العتيدة، بدليل أنّ “التيار الوطني الحر”، الذي وضع “فيتو” على الرئيس الحريري، استبعد في الوقت نفسه الأسماء الوازنة داخل الطائفة السنيّة. فاذا كان باسيل يعتبر أنّ التجربة مع الحريري كانت فاشلة، وهو ما قاله لبري، فلما لا يسميّ شخصيات سنيّة لها ثقلها النيابي وتمثيلها الشعبي وحضورها الدولي، ويلجأ إلى طرح تسميات شبيهة بدياب؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو بديهية، طالما أنّ الغاية “الرئيس المطواع والمطيع“. 

يتجاهل باسيل ومعه قوى سياسية أخرى العين الدولية المفتوحة على لبنان، ويمضون بالذهنية نفسها، وكأنّ شيئًا لم يحصل في البلد، من هنا ترى المصادر أهمية البيان الشهير للحريري ليس باعلانه أنّه ليس مرشحًا لرئاسة الحكومة فحسب، بل بإعادة التأكيد على المدخل الدستوري في عملية التكليف والتأليف من خلال تضمين البيان وجوب إلتزام الدستور ‏‏”والإقلاع نهائياً عن بدعة التأليف قبل التكليف”، على قاعدة أنّ “المدخل الوحيد” لتشكيل الحكومة ‏هو “احترام رئيس الجمهورية للدستور ودعوته فوراً لاستشارات نيابية ملزمة عملاً بالمادة ‏‏53‏“. 

ترى المصادر أنّ الرئيس الحريري أفسح في المجال أمام الرئيس نبيه بري للقيام بجهوده على مدى أسبوعين بقصد تأمين توافق حول اسمه، وبعدما أطفأ بري محرّكاته بوجه التصلّب الذي أبداه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي رفض عودة الحريري وأعاد طرح نفسه للتوزير متحدّيا إرادة اللبنانيين، أصدر الحريري بيانه بعنوان ” لست مرشّحًا لرئاسة الحكومة اسحبوا اسمي من التداول”، وبذلك وضع الحريري حدّا للإبتزاز الذي مارسه باسيل، محمّلًا  العهد و”التيار الوطني الحر” ‏مسؤولية مباشرة عن إضاعة “فرصة الإهتمام الدولي بلبنان وتفويت إمكانية الاستفادة من ‏زخم المبادرة الفرنسية لإعادة بناء بيروت وتحقيق الإصلاحات وفك عزلة البلد الاقتصادية ‏والمالية ووقف الانهيار”.  لتبقى النقطة الأبرز والأقوى في بيانه  التصويب على باسيل دون أن يسميه من خلال الإشارة إلى ” بعض القوى السياسية ما زالت في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، ويرى في ذلك مجرد فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة أن هدفه الوحيد هو التمسك بمكاسب سلطوية واهية أو حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة“.

بالمقابل لم يكن باسيل وحده من يرفض تسمية الحريري، بل أنّ قوى سياسية أخرى ومن منطلقات مختلفة تمامًا أبلغت من يعنيهم الأمر عدم تسمية الحريري، كتلة “الجمهورية القوية”  لم تسمّه في المرة السابقة ولن تفعل هذه المرة أيضًا، فهناك أزمة ثقة تحكم العلاقة بين معراب و”بيت الوسط”، تجلّت في العديد من المحطّات. كتلة اللقاء الديمقراطي لديها مقاربتها المختلفة، وموقفها ليس موجّهًا ضد شخص الحريري، بل تعتبر أنّه سيكون مكبّلًا في التأليف وعلى طاولة مجلس الوزراء كذلك، من قبل الفريق المعرقل نفسه الذي سيمارس سياسة الإبتزاز الذي دأب عليها، وبالتالي لن يكون بمقدور الحريري العمل وتنفيذ الإصلاحات، فيما البلد على شفير الإنهيار ولا يحتمل ترف المماطلة والنكايات. وقد حرص رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي شخصّيًا على شرح موقفه للحريري من خلال زيارته لـ”بيت الوسط” عشيّة بيان الحريري،  كما ويعتبر جنبلاط أنّ المزاج الشعبي الذي تجلّى بعد 17 تشرين لا بدّ وأن ينعكس في المقاربات الحكومية.

بالمحصّلة التكليف كما التأليف في دائرة المراوحة، فهل يُبقي الرئيس عون على موعد الإستشارات نهاية الأسبوع الحالي؟ أم يبقى التكليف رهن الشروط والشروط المضادة؟ وهل تشكل عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان بعد أسبوع دافعًا للقوى المعرقلة بتغليب مصلحة اللبنانيين على مصالحها الفئوية لمرّة واحدة ؟  

لبنان 24

مقالات ذات صلة