“القوات” تعارض “العهد” وإسقاطه في آن؟!
طُرِحت في الآونة الأخيرة فكرة “إسقاط العهد”، عبر دفع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الاستقالة، بعد كمّ “الكوارث” التي شهد عليها اللبنانيون خلال سنواته، من الانهيار الماليّ والاقتصاديّ والصحّي والاجتماعيّ، وصولاً إلى انفجار المرفأ المشؤوم، مروراً بالفراغ السياسيّ شبه الثابت.
وعلى خطّ هذا الطرح، روّج البعض لـ “مقارنة” بين عون وشخصيّاتٍ أخرى، مثل رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري الذي استقال قبل عامٍ على وقع الاحتجاجات الشعبيّة الواسعة على الطبقة السياسية كاملةً، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب الذي استقال تحت ضغط انفجار المرفأ وتداعياته الكارثيّة، فيما لم يقم عون بأيّ ردّة فعل، رغم أنّه كان “شريكهما” في السلطة عملياً.
إلا أنّ هذه الفكرة اصطدمت، كما كلّ شيء في لبنان، بالكثير من “الخطوط الحمراء”، بعضها طائفي وبعضها سياسيّ، وهو ما عبّر عنه مثلاً رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط صراحةً عندما فضّل التراجع عن الدعوة إلى استقالة الرئيس، موحياً بوجود “محظوراتٍ” بشأنها، تنطلق من بكركي، وتصل إلى القوى المسيحيّة السياسيّة، بما فيها المعارضة لعون.
لا مصلحة!
بين القوى التي ترفض استقالة عون، أو بالحدّ الأدنى لا “تتحمّس” لها، تبرز “القوات اللبنانية”، رغم رفعها سقف “المواجهة” معه إلى حدودها القصوى خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة “فضّ الشراكة” التي تأسّست معه تحت لواء “تفاهم معراب” الشهير، وخصوصاً بعدما تسلّم زمام الأمور رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي لم “تركب الكيمياء” بينه وبين “القواتيّين”.
ومع أنّ العلاقة لم تخلُ في الأشهر الأخيرة من السجالات والمشاحنات، بدءاً من شعار “قوم بوس تيريز” الشهير، الذي أطلقه رئيس حزب “القوات” سمير جعجع، اعتراضاً على إحالته الدائمة من جانب عون باتجاه باسيل، وكل ما تبعه واقترن به، إلا أنّ “القواتيّين” يحرصون على “التمييز” بين الموقف السياسيّ المُعارِض لباسيل، ومن خلفه عون، وبين الدعوة إلى “إسقاط العهد”، لا لموقفٍ “مبدئيّ” كما يقولون، بقدر ما هو بسبب غياب “المصلحة” من أمرٍ مماثل.
ويشرح “القواتيون” وجهة النظر هذه، عبر الإشارة إلى أنّ استقالة رئيس الجمهورية اليوم تفرض إجراء انتخاباتٍ رئاسيّة جديدة فوراً لاختيار “خَلَفٍ” له، ما يعني أنّ مجلس النواب الحالي الذي انسحبت معظم قوى المعارضة منه سيكون هو المخوَّل انتخاب هذا الرئيس، وبالتالي أنّ “حزب الله” وحلفاءه هم الذين “سيعيّنون” رئيساً جديداً للجمهورية، وقد لا يجدون مانعاً في انتخاب باسيل، لا حبّاً به، ولكن “نكايةً” بالخصوم.
ما البديل؟
لهذه الأسباب، لا يرى “القواتيون” أيّ حلّ لأزمات لبنان المتشعّبة والمتفاقمة باستقالة رئيس الجمهورية أو “إسقاط” العهد في هذا التوقيت “الحَرِج”، بل إنّهم يعتقدون أنّ مثل هذا الأمر قد يكون مَدخلاً لأزماتٍ متفرّعةٍ جديدة، وتعقيداتٍ مضافة على المشهد، قد لا يكون أحد قادراً على تحمّل تبعاتها في ظلّ الظروف الحالية، التي فيها ما يكفي من التعاسة والمأسوية.
أما المطلوب، برأي “القواتيّين”، فهو إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد بلورة الخريطة السياسية بالكامل، بما ينسجم مع المتغيّرات في المزاج الشعبي التي أفرزتها انتفاضة اللبنانيين في السابع عشر من تشرين الأول، وكلّ ما أعقبها، علماً أنّ رهان “القوات” هو على تراجعٍ في شعبيّة “التيار الوطني الحر” يُقال إنّه لم يعد خافياً على أحد، وقد أثبتته الانتخابات الجامعيّة الأخيرة، معطوفةً على استطلاعات الرأي.
وإذا كانت “القوات” تعترض على محاولات فرض قانونٍ انتخابيّ جديد، بما يعطّل الانتخابات من أصلها، أو يفرغها من مضمونها، باعتبار أنّ القانون الحالي لم يُنهِ فترة “التجربة” بعد، فإنّها تأسف لكون بعض “الأصدقاء”، من المعارضين لـ “العهد” قبل غيرهم، يقطعون الطريق على أيّ انتخابات مبكرة، كما فعل “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المستقبل” مثلاً يوم “أجهضا” مسعاها للدفع نحو استقالة البرلمان، التي كانت الانتخابات المبكرة ستصبح بموجبها “تحصيلاً حاصلاً”.
لا توحي “القوات” بأنّها تنطلق، في
موقفها من استقالة عون، من “الخط الأحمر” الطائفيّ الذي يلجأ إليه البعض، موحياً أنّ الاستقالة من “المحظورات”، “خط أحمر” يبدو أنّ “خصوماً” آخرين للرئيس بدأوا بتجاوزه، على غرار رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة الذي قال أمس إنّه لو كان مكان عون لتنحّى…
lebanon24