لبنان

محطات الخلاف بين ميقاتي والعهد… هل تؤجّج بركاناً؟

كتب مجد بو مجاهد في “النهار”: لم يسبق أن استقرّت العلاقة بين الرئيس نجيب ميقاتي ورئاسة “التيار الوطني الحرّ” في مرحلة ما قبل وصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى وما بعدها. النيران كانت تتأجّج دائماً تحت الرماد رغم أنّ صوت المناوشات لم يكن يرتفع وتعارض الكيمياء لم يحدث براكين.

بدأت المحطة الأساسية في تذبذب العلاقة تتظهّر في حكومة ميقاتي الثانية عام 2011. تمثّلت الخلافات الأساسية حينذاك في الكباش حول الصلاحيات الحكوميّة بحسب تقويم مواكبين عن كثب لتلك المرحلة، يرون أنّها كانت تشهد محاولات تنفيذ سيناريو حكومة حسان دياب من خلال محاولات إخضاع رئيس الحكومة سياسياً لتوجّهات الوزير السابق جبران باسيل ووضع اليد على القرار والسيطرة على الصلاحيات وتحويل موقع الرئاسة إلى “باش كاتب” وممارسة الضغوط لاستبدال الشخصيات التي كانت تتولّى المراكز السنيّة المهمّة في الادارة والأمن. ثم تراكمت الخلافات حتى وصلت إلى قطاع الكهرباء عندما حاول باسيل الضغط أكثر من مرة باتجاه تمرير الملف وفق الطريقة التي تناسبه، ما أدّى إلى نشوب نزاع مع ميقاتي وقتذاك. ويرى مواكبون أنّ موضوع استجرار البواخر على وجه الخصوص أدّى إلى تصاعد الخلاف بعد وضع ضوابط أزعجت باسيل وبعّدت المسافة السياسية أكثر بين الطرفين.

استمرّت توتّرات العلاقة على قاعدة “خطان متوازيان لا يلتقيان” على مشارف التسوية الرئاسية سنة 2016. اعتبر ميقاتي أن انتخاب عون لرئاسة الجمهورية ليس بالخيار السليم الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين وأن يكون الحكم في ما بينهم. ورأى أن انتخابه سيحوّل البلد إلى أشبه بمتاريس سياسية ويثير مخاوف حول الاستقرار ويصعّد وتيرة الانقسام والتوتّر. وذهب أبعد في تشبيه خطوة مماثلة بسَوق البلد نحو الانتحار. وعند سرد سجّل العلاقة، يستقرئ مواكبون أنّه لا يمكن إغفال إضافة أن ميقاتي لم ينتخب عون رئيساً. وإذا كانت تجربته الحكومية لم تنل إعجاب الوزراء البرتقاليين ولم تكن على قدر توقّعاتهم، إلا أن انضمام ميقاتي إلى نادي النواب الذين امتنعوا عن إسقاط ورقة رئاسة الجمهورية في صندوق البرلمان، قد بعّد مسافات العلاقة أكثر. هكذا يفسّر المواكبون أسباب الرفض وغياب حماسة العهد وامتناعه عن دعم اسم ميقاتي يوم أعيد طرحه لرئاسة الحكومة بعد اعتذار السفير مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة. وما ينطبق على ميقاتي عاد ينطبق على اسم الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم ينل الاستحسان البرتقالي وأدّى إلى عقد رئيس الجمهورية مؤتمراً صحافياً وُصف بالتحذيريّ قبل ساعات من موعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة.

ماذا يحصل اليوم على تخوم معركة سياسية جديدة عنوانها تجاوز الدستور والاستنكار الواسع لاجتماعات المجلس الأعلى للدفاع التي وُصفت باجتماعات تتجاوز حدود الصلاحيات؟ تشير معطيات أوساط رؤساء الحكومة عبر “النهار” إلىأنّ “التنسيق قائم بين رؤساء الحكومة في هذا المجال للتصدي لهذه المحاولات المتزامنة مع بداية ظهور ملامح حملات موجّهة إلى الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي تحديداً”؛ مع التأكيد بأنّ “لقاءات الرؤساء ليست على شكل مؤسسة تعقد اجتماعاتها بشكل دوري بل تحصل كلّما دعت الحاجة وليس بالضرورة الإعلان عن الاجتماعات أو الاتصالات التي تجرى بينهم. ويدعم موقف رؤساء الحكومة جهود الرئيس المكلف وينسّقون معه في الخطوط العريضة المبنية على الثوابت الموضوعة لتشكيل الحكومة والتي لا يمكن الخروج عنها”.

إلى ذلك، ترى مصادر ميقاتي عبر “النهار” أنّ “العهد ماضٍ في تصفية حساباته مع كلّ المعارضين وكلّ من يحاول صون صلاحيات رئاسة الحكومة والتحدّث عن خرق الدستور، وذلك من خلال استخدام أذرع سياسية وقضائية؛ ما يدعو إلى استغراب الأداء السياسي المنتهج من قبل العهد الذي لم يتّعظ مما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، وسط المضي في حملة تصفية الحسابات الشخصية والمحاولات المتجددة للتشفي السياسي من ميقاتي، حيث تعود قصّة إبريق الزيت المتعلّقة بالقروض للظهور مجدداً رغم التأكيد على أنّها أخذت وفق الأصول ولا علاقة لها بالإسكان أو بالمال العام”.

وتلفت مصادر ميقاتي إلى أنّ “محاولات النيل منه لن تنجح باعتبار أن الأمور واضحة الأهداف، ونأسف للمحاولات المتكررة من قبل العهد لاستغلال القضاء واستخدامه في خدمة المآرب السياسية، ما يقضي على ما تبقى من هيبة المؤسسات اللبنانية عبر فتح الملفات الاستنسابية وغبّ الطلب وبحسب الأهواء، حيث لم تشهد البلاد محاولات استخدام القضاء في خدمة السياسة كما هي اليوم، وكأنّ هناك نية لتحويل الأنظار عن صفقات الفساد والهدر المرتبطة بباسيل عبر التصويب على كلّ معارضي العهد”، مشيرة إلى أنّ “القصة تظهر هذه المرة عبر التلويح باستدعاء أبناء ميقاتي في ظرف تشهد فيه البلاد تعثّراً في الملف الحكومي ومخالفة للدستور والسيطرة على صلاحيات رئاسة الحكومة ومحاولة التصدي لكلّ المواقف التي لا تتلاءم مع أحلام العهد الذي لم يتعظ حتى الآن مما وصل إليه البلد”.

وتخلص إلى أنّ “ميقاتي لن يتراجع عن قناعاته السياسية في دعم صلاحيات رئاسة الحكومة والوقوف إلى جانب رئيس الحكومة المكلف، وحريّ بالعهد الاستيقاظ وإعادة تصويب أدائه لمعالجة الأوضاع لأنّ الطريقة التي يعتمدها تؤدي إلى ضرب كلّ المؤسسات في البلاد”.

المصدر: النهار

مقالات ذات صلة