مَن عطّل كاميرات العنبر 12 قبل التفجير؟
كتب أحمد عياش في “أساس ميديا”:
ما كشفته الرئاسة الفرنسية على هامش مؤتمر دعم الشعب اللبناني في الثاني من الشهر الجاري كان يجب أن يكون الحدث بما يتّصل بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. لكنّه ضاع في زحمة الأحداث في لبنان والعالم. لكن ما هو أخطر من المعلومات التي أماطت عنها باريس تلك التي لا يزال مسكوتاً عنها في التحقيق الجاري في بيروت والتي تتصل بكاميرات المراقبة في المرفأ.
البيان الذي صدر عن “مؤتمر دعم الشعب اللبناني” الذي دعا إليه الرئيس إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، وشاركت فيه 32 دولة و12 منظمة دولية و7 منظمات من المجتمع المدني اللبناني، وردت فيه جملة واحدة بما يتصل بالتحقيق في انفجار المرفأ هي التالي: “أعرب المشاركون عن قلقهم بشأن التأخير في التحقيق في انفجارات 4 آب”.
تكملة هذه العبارة، جاءت في معلومات سرّبتها الرئاسة الفرنسية عمداً إلى الإعلام عبر “مسؤول” فيها مفادها أنّ باريس سلّمت السلطات اللبنانية صور الأقمار الاصطناعية التي ترصد موقع المرفأ قبل انفجار الرابع من آب. وطالب المسؤول الرئاسي الفرنسي الحكومة اللبنانية أن تكشف علانية عن نتائج التحقيق. وبرّر هذا المسؤول إفصاح باريس عن تسليم هذه الصور لبيروت بأنّه في سياق الردّ على ما زعمته وسائل إعلامية حول امتناع باريس عن تزويد لبنان بصور للأقمار الصناعية للفترة التي حصل خلالها انفجار المرفأ، تلميحاً من هذه الوسائل أنّ الانفجار حصل نتيجة “ضربات عسكرية”. علماّ أنّ فرنسا، وفق ما قاله الرئاسي الفرنسي: “أعطت لبنان ما هو متوافر لديها من صور من الأقمار الصناعية الفرنسية ولكنها ليست متواصلة زمنياً”، بسبب أن “لا أقمار فرنسية كانت مركزة بشكل دائم فوق لبنان في تلك الفترة”.
يأتي هذا التوضيح الرئاسي الفرنسي اليوم كردّ متأّخر على ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون في 7 آب، بعد ثلاثة أيام على انفجار المرفأ، عندما صرّح في دردشة مع الإعلاميين في قصر بعبدا أنّه طلب شخصياً من الرئيس ماكرون، عندما زار الأخير لبنان في اليوم السابق، “أن يزوّدنا بالصور الجوية إذا ما كانت متوافرة لدى الفرنسيين كي نستطيع أن نحدّد إذا ما كانت هناك طائرات في الأجواء أو صواريخ. واذا لم تكن هذه الصور متوافرة لدى الفرنسيين فسنطلبها من دول أخرى”.
هذه قصة كاميرات الأقمار الصناعية الفرنسية، فماذا عن كاميرات المراقبة التي كانت منتشرة في حرم مرفأ بيروت وتحديدا في نطاق العنبر 12، أي المستودع الذي حطت فيه شحنة نيترات الامونيوم والتي كانت تقدر بنحو 2750 طنا؟
وفق معلومات لـ”أساس” من مصادر واكبت التحقيق العسكري الداخلي، فإنّ كاميرات المراقبة في مكان الانفجار قد جرى تعطيلها قبل الانفجار، وقد بقيّ هذا المعطى المهم خارج التداول الإعلامي طوال الأشهر الأربعة المنصرمة، لأنّه سيطرح مسألة الانفجار في إطار عمل مدبّر. وربطاً بهذه المعلومات، أفادت المصادر أنّ هناك فرضية تمتلك قدراً من الصدقية تفيد أنّ انفجار النيترات الأمونيوم التي بلغ حجمها نحو 1500 طن وليس 2750 طناً كما كانت عندما استقرّت عام 2014 في العنبر 12 بسبب سحب كميات منها على مدى أعوام… إنّما جاء بعد تجهيز المكان بأسلاك تنتهي بصاعق، ما أدّى بعد تفجير أوّلي إلى حدوث الانفجار الهائل الذي وصف في حينه بأنّه “شبه نووي”.
هل بالإمكان الرهان على ظهور تحقيق يوماً ما يجيب على السؤال المتصل بكاميرات المراقبة؟
في انتظار الجواب كانت لافتة خطوة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ فادي صوان، عندما وجّه أخيراً رسالة إلى مجلس النواب اللبناني، عبر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، طالباً منه اتّخاذ ما يراه مناسباً بشأن “مسؤولية بعض الوزراء عن إهمال ساهم في وقوع انفجار المرفأ ورؤساء وزراء أيضاً”. ولفت في الرسالة إلى أنّ “التحقيقات التي أجراها مع وزراء حاليين وسابقين كشفت عن شبهات حول مسؤولية الوزراء وتقصيرهم”.
ووفق المصادر، أراد صوان وفق معطياته، وضع مجلس النواب أمام مسؤولياته لأنّه يقع على عاتقه اتخاذ الإجراء المناسب، خصوصاً أن ليس من صلاحيات القضاء العدلي محاكمة الوزراء، بل هذا الأمر من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء.
بالطبع لم يكتب لخطوة القاضي صوّان النجاح بعدما اعتبرها رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد أتت في إطار “الهروب من المسؤولية. باعتبار أنّه لا يجوز لقاضٍ أياً كانت رتبته أن يخاطب مجلس النواب عبر قاضٍ آخر. بل عبر وزير العدل الذي يمثّل الحكومة أمام السلطة التشريعية. ما حال دون ذلك أنّ شكوى القاضي صوان تطال 3 وزراء عدل منهم الوزيرة الحالية”. لكنّ هذا الجدل لم ينهِ مشكلة التحقيق الذي ما زال حتّى الآن يدور في حلقة مفرغة على الرغم من مرور 4 أشهر على الانفجار. وقد عاد الى الواجهة موقف رئيس الحكومة حسان دياب بعد أيام على انفجار 4 آب عندما دعا إلى “تشكيل لجنة تحقيق تصدر نتائج تحقيقاتها خلال 5 ايام كحد أقصى، وتحدّد المسؤولية”.
حتّى الآن مضى أكثر من 120 يوما وليس خمسة أيام، ولا يزال التحقيق غير منجز. والخشية عند ذوي شهداء الانفجار، الذي وقفوا بالأمس للمرّة الرابعة في ذكرى المأساة أمام أطلال المرفأ مع الشموع، يطالبون بالحقيقة، كلّ الخشية أن تتكرّر وقفتهم مراراً وبلا طائل.
mtv.