آخر “بدعة”… “الدفاع الأعلى” بديلاً عن الحكومة؟!
لم تكن جلسة مجلس الدفاع الأعلى بالأمس عاديّة، لا في الشكل ولا في المضمون. بدت أقرب إلى جلسةٍ “عاديّة”، لا “استثنائيّة”، لمجلس الوزراء، وخرجت بقراراتٍ وتكليفاتٍ حكوميّة، اتّسمت بالبُعد عن طابع “السرية” الذي لطالما حظيت به قرارات “الدفاع الأعلى”.
صحيحٌ أنّ الجلسة انطلقت من عناوين أمنيّة عامّة، غذّتها بتقارير أمنيّة حول اهتزازٍ أمنيّ واغتيالاتٍ متوقَّعة، إلا أنّ ذلك بدا بمثابة “واجهة” للإطار العام للجلسة، الذي شكّل “نسخة طبق الأصل” عن جلسات الحكومة، بدءاً من كلمة رئيس الجمهورية الافتتاحيّة والشاملة، إلى القرارات التي صدرت ولا يمكن حصرها بمهام المجلس الدفاعيّة، أو حتى ما يتفرّع عنها.
فإلى جانب استعراض ملفّاتٍ وزاريّة، لا تتّصل بعمل مجلس الدفاع الأعلى، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن بعض البنود “المُستغرَبة” التي حملتها المقرّرات، من التكليفات التي قُدّمت لعددٍ من الوزراء، إلى القرار الذي بدا الأكثر “نفوراً”، والمتعلّق بـ “تنظيف الأقنية والمجاري”، ما دفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان هذا من “اختصاص” مجلس الدفاع؟!
“الوضع استثنائيّ”!
ما حصل في جلسة مجلس الدفاع الأعلى يجد مبرّراته لدى البعض، استناداً إلى أكثر المقولات رواجاً في هذه الفترة، ألا وهي أنّ “الوضع استثنائي”، وهو بالتالي يتطلب “مقاربات استثنائية”، ومنها ما حصل في الجلسة، وهو ما أثاره أصلاً رئيس الجمهورية في كلمته الافتتاحيّة، حيث دعا صراحةً إلى اتخاذ قرارات لمعالجة الوضع “الدقيق” الذي تواجهه البلاد.
ويشدّد مؤيدو قرارات “الدفاع الأعلى” والمحسوبون على “العهد”، على أنّ كلّ البنود التي أقرّها المجلس “تتقاطع” بشكلٍ ما مع مهمّة الدفاع عن مصلحة البلاد، بما فيها قرار “تنظيف الأقنية والمجاري”، الذي أثار الكثير من السخط والجدل “غير المبرَّر”، علماً أنّه يمكن أن يُدرَج ضمن “الأمن الاستباقي”، في إطار استباق ما يمكن أن يحمله فصل الشتاء من “كوارث” على الطرقات، بدأت “تباشيرها” أصلاً مع “الشتوة الأولى”.
لكنّ مثل هذه التبريرات “الاستثنائية” قد لا تكون مستندة إلى أيّ مسوّغ “قانونيّ”، وفق ما يؤكد الخبراء، باعتبار أنّ الدستور واضحٌ لجهة “تقييد” عمل حكومة تصريف الأعمال بالنطاق “الضيّق”، وهو لم ينصّ أبداً على “تحويل” صلاحيّاتها إلى أيّ جسمٍ آخر، كمجلس الدفاع الأعلى، علماً أنّ المشرّع أراد من ذلك منع أيّ “بِدَع” تسمح للمسؤولين بـ “التطبيع مع الفراغ” والتعامل معه، كما لو أنّه لم يكُن.
رسالة إلى الحريري
وأبعد من التبريرات الاستثنائية والمسوّغات القانونية المضادة، لا شكّ أنّ ما حصل في جلسة مجلس الدفاع الأعلى حمل الكثير من الرسائل “السياسيّة” الواضحة والتي لا تحتمل اللبس، في ضوء “الجمود” الذي يسيطر على الملفّ الحكوميّ، رغم الحديث منذ بداية الأسبوع عن زيارة “مرتقبة” للرئيس المكلَّف إلى قصر بعبدا، لتقديم تشكيلةٍ أنجزها من 18 وزيراً.
وقد يكون ما قاله عون في مستهلّ الجلسة عن أنّ “الظروف الراهنة تفرض أحياناً التوسع قليلاً في تصريف الأعمال لتلبية حاجات البلاد” يختصر الرسالة التي أراد إيصالها، من حيث المبدأ، للرئيس المكلَّف، المُعارِض كما يدرك الجميع، لأيّ “توسُّعٍ” من هذا الشكل، شأنه شأن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، الذي لا يزال “ممتعضاً” من “الانقلاب” عليه، قبل محاولة إعادة “رمي الكرة” في ملعبه اليوم، واستخدامه في “البازار” الحكوميّ.
وإذا كان عون سعى، من خلال “بدعة” استبدال الحكومة بمجلس الدفاع الأعلى، إلى تخطّي “تحفّظ” دياب، ولو أنّ الخبراء يؤكدون أنّ معظم القرارات قد لا تكون قابلة للتطبيق من دون اجتماع الحكومة وموافقتها عليها، فإنّ الأساس يبقى أنّ عون أراد القول للحريري إنّ عليه تعديل “استراتيجيّته”، والتجاوب مع متطلبات “الشراكة”، وإلا فإنّ “البديل جاهزٌ وموجود”، بل إنّ جلسة مجلس الدفاع الأعلى قد تكون بمثابة “بروفا” في هذا السياق.
قد يكون مجرّد السعي لإيجاد “بدائل” عن الحكومة، بسبب “استثنائية” الوضع، نافراً من حيث المبدأ، إذ إنّ هذه “الاستثنائية” يجب أن تكون “محفّزاً” للإسراع في التشكيل، بمُعزَلٍ عن كلّ شيء، لا للتصلّب والتشدّد وتجميد الحكومة برمّتها كرمى لعيون هذا وذاك، في نهجٍ لا يبدو أنّ أحداً ينوي “التنازل” عنه، رغم “السلبيّة المُطلقة” للمجتمع الدولي التي تجلّت بوضوح في مؤتمر “الدعم” الأخير…
lebanon24