برّي يفتتح “الشوط الثاني” مع عون!
كتبت “المركزية”:
كثيرا ما أحجم رئيس مجلس النواب نبيه بري في الفترة الأخيرة عن لعب دوره المعهود في ابتكار مخارج اللحظات الحرجة الأخيرة، وفي ذلك إشارات كبيرة إلى خلافات لا تزال مضمرة (بالشكل على الأقل) بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وسواه من القوى السياسية. وفيما تنطبق هذه الصورة على تشكيل الحكومة، فإن هذه المعادلة لم تسر على التدقيق المالي الجنائي. ذلك أن الرجل ذا الباع السياسي الطويل ابتدع المخرج الكفيل بحفظ ماء وجه المجلس من جهة، والقوى السياسية كلها من جهة أخرى، لأن أحدا منها لا يريد أن يكون في موقع معرقلي المعركة المفتوحة لمكافحة الفساد في ظل الفورة الشعبية على الطبقة الحاكمة قاطبة.
هذه القراءة تقدمها إلى “المركزية” مصادر سياسية مراقبة معتبرة أن “القرار- التوصية” الذي انتهت إليه الجلسة النيابية يوم الجمعة الفائت ينطبق عليه المثل الشعبي “ضربة عالحافر… ضربة عالمسمار”. ذلك أن رئيس الجمهورية أراد من رسالته إلى نواب الأمة أن يدفع مجلس النواب إلى مواكبة الورشة الاصلاحية التي يرفع لواءها العهد وحلفاؤه، ما يعني عمليا رمي الكرة إلى الملعب النيابي. وقد قرأ بري ما بين السطور جيدا، غير أنه سعى إلى ما يمكن تسميته غسل يدي المجلس من تبعة تعطيل هذا المسار, فكان القرار- التوصية بإخضاع كل مؤسسات الدولة وصناديقها ومتفرعاتها إلى التدقيق المالي الجنائي بشكل متزامن.
غير أن المصادر تشدد على أن رئيس المجلس، كما السواد الأعظم من النواب، على دراية تامة بأن لا مفعول قانونيا ملزما لهذا النوع من القرارات، خصوصا أن مجلس النواب يشرّع القوانين اللازمة، ولا يصدر القرارات على طريقة المجالس البلدية وسواها من الهيئات. إلا أن هذا لا ينفي أن بري حاول تأكيد كونه في صف مؤيدي التدقيق، وحشر الحكومة العتيدة كما حكومة تصريف الأعمال في زاوية أخلاقية على اعتبار أن أي عقد مع شركة جديدة لا يمكن ن يقفز فوق توصية المجلس، ما يؤشر إلى أن التدقيق قد يشمل كل المؤسسات الرسمية والوزارات إنطلاقا من مصرف لبنان، وصولا إلى الوزارات الدسمة التي استلمها أفرقاء معينون لفترات طويلة، مع العلم أن منسوب الخشية يرتفع إزاء متاريس سياسية قد تنصب في وجه وصول موجة التدقيق الدولي إلى بعض المواقع الحساسة.
وفي انتظار ما سينتهي إليه تشكيل الحكومة العتيدة التي ستحمل كرة النار هذه بين يديها، تشير المصادر إلى أن أزمة التدقيق الجنائي، وإن كانت حلولها غير واضحة حتى اللحظة، حملت بعض الخلاصات الأكيدة. فرئيس المجلس نجح في غسل يديه من تهمة التعطيل، في الشكل. غير أنه لم يحل المشكلة التي تواجه التدقيق، على اعتبار أن البرلمان لم يدرس بعد اقتراحات القوانين المرتبطة بتعليق العمل بمبدأ السرية المصرفية، ما يعني أن العقبة على حالها، وأن الشوط الثاني من مباراة عون- بري قد ينطلق أسرع مما يتوقعه كثيرون.