ألم يحن أوان إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري؟
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
وقف ألبير مخيبر مثل النسر، مطالباً بإلغاء “المجلس الأعلى اللبناني السوري” الذي يخالف وجوده الدستور اللبناني. وأطل، بعد نحو عقدين، غسان مخيبر مكرراً مطلب “العمّ ألبير”. وتكرر هذا بلسان سياديين وأحرار. ولم تستطع ثورة، وثورة ثانية، أن “تقبع” هذا المجلس وتؤسس الى الاستقلال الكلي عن “هندسات” العقل السوري القمعي للقبضِ الشامل على لبنان! فهل نحن لا نزال، من حيث ندري أو لا ندري، تحت رحمة سوريا – الأسد؟
لكثرة ما نعاني من مشاكل، تُرهقنا حتى الصميم، كدنا ننسى وجود مؤسسات نشأت زمن الاحتلال السوري خصيصاً لجعلنا دولة ملحقة. والأنكى أننا ندفع لها لتفعل هذا. ولعلّ الحسنة الوحيدة هي الدرك المالي الذي وصلنا إليه أننا ما عدنا قادرين، منذ عامين، على سداد كل متوجبات هذا المجلس على لبنان. فربّ ضارة نافعة في شيء. اللهمّ ألا يكون نصري خوري، أمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري، قد بحث هذه النقطة في زيارة قام بها قبل أشهر، بعد غياب أعوام، الى السراي الكبير ووزارة الخارجية.
مؤلمٌ أن نتحدث عن مجلس باسمِ “الأخوّة”، الأخوّة الكاذبة، بعد كل الويلات التي عاشها اللبنانيون (وما زالوا) وكل النهب والتهريب الذي يحدث، وبعد كل دموع الأمهات على فلذات أكبادهن، رماهم النظام السوري في أقبيته وبعد كل الويلات.
ادمون رزق
ادمون رزق، العملاق في العالمين الحقوقي والسياسي، الذي كان شاهداً على تلك الحقبة التي صيغت فيها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وتأسيس المجلس الأعلى اللبناني- السوري، يكاد لا ينام اليوم من الحزن وهو يرى “البلد وين رايح”. مقهور هو وقلق جداً على لبنان. لكن، هل يتذكر معالي الأستاذ تفاصيل إنشاء هذا المجلس؟ يجيب “أنشأوا هذا المجلس على أساس وجود علاقات “أخوية” عليه أن ينظمها. لكنه، وكما تعلمون، لم يقم بدوره أبداً. ولم يسهر طبعاً على حسن العلاقة بل تجاوز مضمون ومعاني “الأخوّة” والتكافؤ في السيادة من دون احتواء الآخر. وهذا المجلس لم يشتغل لأن سوريا عطلت كل الدولة. ومن جملة المجالس التي جُردت من أسباب وجودها هذا المجلس بسبب العجز والفشل المستحكمين بالدولة اللبنانية”.
غسان مخيبر
غسان مخيبر، النائب السابق الآدمي، رفع في العام 2010 مذكرة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان مطالباً إياه بإلغاء المجلس الأعلى اللبناني- السوري. ويومها، كان مخيبر عضواً في “تكتل الاصلاح والتغيير”. لكنه، كما كرر حينها، “هذا التحرك نابع من قرار شخصي”. وكأن هناك من أوعز إليه “بعدم إقحام نفسه” في هذا المطلب. تكتل “التغيير والاصلاح” أصبح في سدة السلطة لكن مخيبر أصبح خارجه والمجلس الاعلى اللبناني- السوري ليس همّاً عند من بدّل الاسم من “إصلاح وتغيير” الى “لبنان القوي”. فماذا عن هذا المجلس اليوم في أجندة غسان مخيبر؟ يجيب “طالبت بإلغاء هذا المجلس، أسوة بعمي الذي اعتبر ان هذا المجلس مخالف للقانون” ويشرح “حضّرت نفس الدراسة التي قدمها عمي ونشرتها حين أصبحت نائباً كون وجود المجلس يخالف الدستور”… “فمش هيك بتتنظم العلاقات بين الدول”. هل أجابه رسمياً أحد؟ يقول “لا، لا إجابة، لا شيء. لا أحد يملك الجرأة حتى لمناقشة هذا المطلب”.
ماذا فعلت كل المعاهدات الثنائية لهذه الوالدة؟
كانت سوريا قد خرجت عسكرياً من لبنان فلماذا ظلّ يسيطر الخوف (ولا يزال) من دولة مقسمة ضعيفة رقبتها ممسوكة من دول كثيرة؟ يجيب مخيبر “لا أعرف لماذا لم يذهب أحد الى حدّ إعلان إلغاء الاتفاقية. ومعلوم ان إقرار هذا الالغاء من صلاحية السلطة التنفيذية، أما مجلس النواب فيطلع ويوافق أو لا يوافق على مطلب رئيس الجمهورية والحكومة، كونها اتفاقية دولية ودور مجلس النواب يقتصر على الاطلاع على الاتفاقية وابرامها”.
ما رأي ادمون رزق بذلك؟ يجيب “لنقض الاتفاقية أو إلغاء هذه الاتفاقية اجراءات وآلية شائكة تقتضي بأن تتقدم الحكومة بذلك على ان يقرّ هذا الإجراء المجلس النيابي الذي أقرّ وجود هذا المجلس، فالاتفاقية لا تلغى إلا بقانون، كما حصل مع اتفاقية 17 أيار”. ويستطرد رزق بالقول: “هذه الاتفاقية اليوم معطلة لكنها ليست ملغاة. ونحن حين وقعناها اردنا تنظيم العلاقات لكن استمرت الهيمنة والتدخل بفعل فشل الحكم اللبناني، منذ العام 1992، ونحن نستمر حتى اليوم في دوامة الحكم الفاشل”.
نصري خوري
السلطة التنفيذية تقرر والمجلس النيابي ينفذ. لكن، يبدو أن “التغيير” سيتأخر كثيراً عن إعادة تصويب المسارات. في كل حال، نذكر انه حين سُئل نصري خوري عن طلب البعض إلغاء المجلس الاعلى اللبناني السوري قال: “لا يمكن إلغاء المجلس أبداً من جانب واحد، كونه غير مشكّل بقرار لبناني، إنما بموجب معاهدة دولية مقرة ومبرمة رسمياً ومسجلة في الأمم المتحدة. الإلغاء يحتاج الى رغبة مزدوجة في الإلغاء”.
سوريا نسجت خيوطها حول أعناق اللبنانيين كما العنكبوت. بدليل أنه بعد كل ما حصل لا تزال تملك وقاحة الحديث عن “معاهدة أخوّة” ومجلس أعلى!
خطورة وجود هذا المجلس هو أنه أنشأ منظومة شبه كونفدرالية بين لبنان وسوريا، بحسب مخيبر، وهذا شكّل مقدمة لشرعنة وضع اليد على لبنان عبر تطوير اتفاقيات كان كثير منها، كما تقسيم مياه نهر العاصي، مجحفاً. وهذا المجلس فقد بعد الانسحاب السوري سبب وجوده الأساسي. ضمر دوره وأصبح بلا فعالية. ويستطرد مخيبر بالقول: بعد إنشاء السفارة السورية في لبنان، أصبح هناك ازدواجية بين كونفدرالية وسفارة، لكن استمرت الكونفدرالية المتمثلة بالمجلس الأعلى اللبناني السوري أكثر سطوة. وما بدّل في المعادلة القائمة هو إنسحاب الجيش السوري، وما رافقه من أحداث، فانتفت الحاجة كلياً الى وجود معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق كلها.
الأخوّة الإحتوائية
غاب نصري خوري فترة طويلة عن السمع. وعاد وأطلّ في زيارة قام بها الى حسان دياب. فهل يتقصد إحياء العلاقات وضخّ بعض الاوكسيجين في “الميت”؟ يجيب مخيبر “لا يعدو كون الحراك بروتوكولياً لكن عملياً لم يعد له أي حضور”.
حتى الأمس القريب، قبل إعلان تشلّع مقومات الدولة اللبنانية، كان لبنان لا يزال يدفع 550 ألف دولار سنوياً الى مجلس شبه ميت الغاية منه القبض على “مقومات لبنان” لمصلحة سورية البحتة.
سألنا ذات يوم السفير السوري في لبنان عن ثنائية المرجعيات السورية مع لبنان فقال بوجه مبتسم: لا ضير بالنسبة إلى السفير كما بالنسبة الى أمين عام المجلس من الإبقاء على ثنائية المرجعيات العلائقية بين “الإخوة”. السفير والأمين العام لا ضير لديهما من أن يكون لسوريا بدل المرجعيتين مئة. هكذا يقبضون على رقبة لبنان.
لبنان ينهار. لا مال ولا أمل ولا كهرباء ولا أمن ولا عدالة وجوع وقهر وقرف. والنازحون السوريون مليون وأكثر. وها هو المجلس الأعلى اللبناني السوري حيّ يرزق. غريب حقاً.
شفيق المصري
أستاذ القانون الدولي الدكتور شفيق المصري يتحدث عن مسائل عدة يفترض استدراكها قبل التطرق الى موضوع المجلس الاعلى اللبناني- السوري.
أولاً، إن المجلس قد شُكل بموجب معاهدة ثنائية بين لبنان وسوريا عام 1991، أبرمت من قبل السلطتين التشريعيتين في البلدين، ما يعني ان الغاءه من طرف واحد محال. المطلوب التشاور من أجل تعديل بعض مواده.
ثانياً، ان لبنان حريص على إنشاء علاقات جيدة مع سوريا، ويفترض تنظيم هذه العلاقات بشكل يحفظ سيادة كل من الدولتين.
ثالثاً، كان هذا المجلس فاتحة سلسلة معاهدات ثنائية، تعد بالعشرات، عقدت بين البلدين، وبالتالي كلنا يعلم ان اي مطلب بإلغاء المجلس من جانب واحد، لا يتناول المجلس فقط بل مختلف المعاهدات التي سبق بحثها واعدادها.
يوم طُردت سوريا عسكرياً
رابعاً، يفترض ان يقوم كل وزير بدراسة المعاهدات وإبداء الرأي حولها، على ان يصدر مجلس الوزراء مجتمعاً الرأي النهائي بها.
كلنا يعلم، والكلام الى أستاذ القانون الدولي، انه حين يصار في القانون الدولي الى إنشاء علاقات ديبلوماسية بين بلدين، نستغني عن أي تنظيم آخر، لأن مسائل كثيرة قد تتداخل في العلاقات الديبلوماسية، كما حدث مع وزير العمل اللبناني الشيخ بطرس حرب حين أعاد مراجعة تقدم بها المجلس باعتبار أنها من اختصاص السفارة. صحيح ان نصري خوري اعتبر أن ما قام به حرب مجرد “وجهة نظر” من وزير العمل غير انه يدفعنا الى الجزم بان الأمور يجب أن تسير، بوجود السفارة، وفق مساراتها الديبلوماسية. ويفترض بالتالي ان تتحدد أطر هذا المجلس من جديد إذا كان لا بدّ من بقائه.
هل من ضرورة لبقاء هذا المجلس؟ هناك من قد ينتفض ليقول: “وما بالهم اليوم في زحمة الإنهيار”، متناسياً أن سوريا كانت سبباً دائماً في انهيار لبنان لذا لا ضير من شمول التحقيق الجنائي، إذا أمكن، ما تكبده لبنان ثمناً لوجود هذا المجلس الأعلى اللبناني- السوري من هدرٍ باسم إتفاقيات ثنائية بين الإخوة.
صراخ الثوار لم يبلغ الآذان
هل نحن مستقلون بالفعل؟ هل حققنا هذا الإستقلال حقاً في 1943 ثم في 2000 ثم في 2005؟
ألبير مخيبر، أرسل ذات يوم مذكرة في موضوع المجلس الأعلى اللبناني السوري خلص فيها: إن إنشاء أجهزة دائمة في مشروع هذه المعاهدة، في هذا الظرف بالذات، يؤدي حتماً الى خسارة لبنان إستقلالية قراره وبالتالي سيادته المطلقة. إذ تصبح هذه السيادة نسبية جداً ومنقوصة”. رحم الله ألبير مخيبر. أما لبنان المشلّع فيستمر حتى في زمن من يسمون أنفسهم “أقوياء” ضعيفاً!