هكذا وُلد “اتفاق الأونيسكو”…
جاء في “المركزية”:
لم يكن المشهد الذي لم ينقل مباشرة على الهواء في قاعة الاونيسكو امس مقنعا. فمجرد ان تسابقوا الى الدعوة للتدقيق الجنائي في كل مؤسسات الدولة والوزارات والصناديق والمؤسسات والهيئات المستقلة ظهرت “السوريالية” بأبهى مظاهرها. وهي التي تثير السخرية لمجرد ان عبرت عن شكل من أشكال التذاكي على اللبنانيين. ذلك ان الشعب اللبناني لم يكن يدرك ان الجميع ومن دون استثناء مع “التدقيق الجنائي” بعدما جرى في الاسابيع الماضية من مماطلة في توفير الاجواء للشركات المؤهلة للمهمة الى درجة فرز فيها القادة السياسيون بشكل لا يرقي اليه الشك بين فئتين: واحدة عاجزة عن تحقيق التدقيق وأخرى قادرة لكنها لا تريده.
وعليه، لم يقنع النواب الذين اجتمعوا في قاعة الاونيسكو اللبنانيين بالتفاهم المعلن عنه من اجل التدقيق، بعدما فتحوا الافق في توصية تحولت ليلا الى قرار على التدقيق في مؤسسات الدولة كاملة الأمر الذي يحتاج الى مجموعة من الشركات التي ستتولى المهمة بعدما عجزت الحكومة عن توفير شركة واحدة للتدقيق في حسابات مصرف لبنان. وخاف اللبنانيون على ما تبقى في خزينة الدولة من كلفة مقدرة لهذا التدقيق قبل ان يقلقوا على ما هو منتظر من “منظومة سياسية” يترجمها مجلس النواب لمحاكمة “منظومة الحكم” التي ولدت من رحمها وفرزت من اضلعها ومن بنات أحزابها وتياراتها وتكتلاتها.
وبالعودة الى مشهد الجلسة التشريعية التي عقدت في المقر المؤقت للمجلس النيابي في قصر الاونيسكو في زمن الكورونا فقد ثبت لمراجع سياسية وقانونية ومالية ان المجلس استوعب مضمون رسالة رئيس الجمهورية وراح بها ابعد مما أراده الرجل منذ اشهر لجهة حصر التدقيق في حسابات مصرف لبنان ليقرروا ان هذا الأمر يجب ان يشمل مختلف الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلة دفعة واحدة وهو ما قد يؤدي الى تعثره لمجرد وضع لائحة بالأولويات في المرحلة اللاحقة ليعود الصراع من جديد من اين ستبدأ العملية؟ من هذه المحمية الطائفية والمذهبية او تلك من المؤسسات المحكومة بأنظمة خاصة فلا تخضع إلا للتدقيق المحاسبي المتأخر الى التي عاشت على قاعدة العقود بالتراضي او التي شهدت اكبر عملية تبادل وتقاسم للمغانم بين الخصوم الذين لا يتلاقون إلا على تقاسم المال العام متى كان وفيرا.
على هذه القاعدة، رغب مرجع سياسي تحدث الى “المركزية” بوصف ما جرى امس بـ “اتفاق الإطار” الثاني المخصص للتدقيق الجنائي الذي وضع اللمسات الأخيرة عليه من اطلق قبل شهرين تقريبا “الإتفاق – الإطار الأول” الخاص بترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان. فعبرت العملية الاولى بسلاسة لم تكن محسوبة رغم ما رافقها من مناكفات وعملية تبادل الاتهامات والغمز واللمز الذي يشير الى المحميات التي سيشملها التدقيق والتي تتوزع على مختلف الأطراف الممثلين بالأقوياء الخمسة او الستة في مجلس النواب والسلطة.
وعلى عكس “الإتفاق – الاطار الأول” الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وتعهدت بتوفير مقوماته الامم المتحدة، فان الاتفاق الثاني يحتاج الى من يوفر له الأرضية الصالحة من اجل انطلاقه الى درجة بات واضحا ان مجرد تكبير الحجر وعدم رسم خريطة الطريق التي سيقلع منها الاتفاق الجديد سيبقى حبرا على ورق ما لم تتوفر الأجوبة على سلسلة من الأسئلة الغامضة ومنها:
– من سيقوم بالمهمة بعد تعثر التفاهم مع اولى الشركات وهروب الثانية.
– هل يمكن ان تبدأ العملية قبل ان يعدل مجلس النواب في مضمون قوانين عدة ليس اولها قانون السرية المصرفية ولا ثانيها قانون النقد والتسليف. وكيف يمكن التحايل على المؤسسات التي تتمتع بحرية الحركة والتي لا تخضع إلا للمراقبة والمحاسبة اللاحقة؟
– من اي محمية تنطلق العملية بعد تعثرها في مصرف لبنان من الضمان الاجتماعي او المرفأ او وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان والبواخر ام من مجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للإغاثة وهيئة “أوجيرو” ، من مطار بيروت او من مرفئها المدمر، من قطاع الإتصالات او من وزارة الاشغال العامة او من دوائر الميكانيك ومراكز المعاينة؟.
– وإن وصل التحقيق سريعا في المرفأ او اوجيرو والضمان الإجتماعي ومجلس الإنماء والاعمار أو الطاقة على سبيل المثال حيث البيئة الحاضنة لكل اشكال الفساد كيف سيتم التعاطي مع المختلسين وواهبي المال العام ، الا يجب احترام قاعدة 6 و6 ومكرر؟!.
قد لا يتسع المجال لمزيد من الأسئلة الوجيهة والتي من الصعب توفر الأجوبة عليها وخصوصا ان تم الربط لاحقا بين آلية تحديد اولويات التدقيق وقوة هذا الطرف في هذه المحمية او تلك. وكيف يمكن الإقلاع بخطة من هذا النوع في ظل غياب الشفافية في التعاطي مع الكثير من الأمور وهل سيكون هناك دور للقوى الدولية والمبادرة الفرنسية تحديدا في إدارة هذا الملف وتوجيهه على الطريق الصحيح؟
– ومن هي الحكومة التي سيكون لها القدرة في إدارة هذه العملية؟ وهل ستاتي بالإختصاصيين والمحايدين غير المنتتسبين الى الأحزاب لمواجهة رجالاتهم ومجموعاتهم الطائفية المتحكمة بهذه المؤسسات وتدير الفساد فيها.
-وما لم تتوفر هذه الحكومة كيف يمكن بلوغ مراحل الخطة التنفيذية الأولى ان بقيت الأمور محكومة بالتوازنات الداخلية التي تحمي هذا الفريق أو ذاك. والأخطر ان تساوت موازين القوى وقررت ان تحمي بعضها بعضا ففي بعض الملفات قد يكون الخصوم شركاء في تقاسم المغانم والمال العام. فهل ستشهد هذه المؤسسات ازمات كبيرة تضاف الى ما تعانيه من خسائر ارتفاع اسعار الدولار وفقدان كلفة الصيانة في البعض منها الى حد التهديد بوقف خدماتها.
بناء على ما تقدم، يختم المطلعون على خفايا الكثير من الامور ليعترفوا ان “اتفاق الإطار” الذي تم التوصل اليه في مجلس النواب يحتاج الى اكثر من تفاهم كامل وشامل ليقبل جميع من هم في السلطة بوجود من يدينهم جميعا. ولذلك قد يتحول هذا الاتفاق الى “قميص عثمان” يمكن ان يستهلك النقاش فيه ما تبقى من العهد والى العهد المقبل الف تساؤل وسؤال عما يمكن ان يتحقق؟!.