الحكومة “تنتظر رحيل” ترامب… ما العلاقة؟!
يصرّ الكثير من اللبنانيّين على إبقاء “عقارب” ساعاتهم، وبالتالي استحقاقاتهم، الداخليّة بالتفصيل منها قبل غيرها، بالخارج واستحقاقاته، وكأنّ لا شيء يمكن أن يحصل في لبنان إلا وله “مفاعيله” الخارجية، ما يتطلّب الحصول على “الضوء الأخضر” سلفاً.
هكذا، رُبِطت الحكومة اللبنانيّة بالانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، فقيل أولاً إنّ أيّ حكومة لن تبصر النور قبل موعد هذه الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني، حتى أنّ هناك من “تنفّس الصعداء” يوم تحدّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “مهلة” لتشكيل الحكومة، تتجاوز هذا الموعد، الذي طاله تأجيل جديد، توازياً مع “الغموض” الذي أفرزته الانتخابات.
أما اليوم، ومع بدء إجراءات تسليم السلطة في أميركا بشكلٍ أو بآخر، بفعل “الضوء الأخضر” الذي منحه الرئيس دونالد ترامب لذلك، ولو “تعهّد” بالمضيّ في معاركه القانونية، ثمّة في لبنان من يفضّل “التريّث”، ضارباً موعداً جديداً للحكومة، لا يمكن أن يسبق “رحيل” ترامب رسمياً، واستلام الرئيس المُنتخَب جو بايدن مقاليد الرئاسة في الولايات المتحدة.
أسباب “موجبة”
هذا “الربط” بين الحكومة اللبنانية وانتهاء “المرحلة الانتقالية” في الولايات المتحدة له أسبابه “الموجبة”، بنظر مؤيّديه والداعين لأخذه بعين الاعتبار في مشاورات التكليف “المجمَّدة”، بشكلٍ أو بآخر، باعتبار أنّ كلّ التجارب أثبتت أنّ لبنان ليس “جزيرة معزولة”، وأنّه يتأثّر بما يحصل في المحيط والإقليم، وما هو أبعد منهما.
ويلفت أصحاب هذا الرأي إلى أنّ العامل الأميركيّ “حاضرٌ” في استشارات التأليف، شاء من شاء وأبى من أبى، فالعقوبات الأميركية مثلاً التي فُرِضت على بعض المسؤولين اللبنانيين، في “عزّ” المبادرة الفرنسية، لم تكن “بريئة”، تماماً كما الحديث المتجدّد اليوم عن “فيتو” وضعته الولايات المتحدة على تمثيل “حزب الله” مثلاً في الحكومة، مباشرةً أو مواربةً، أو حتى على طريقة “التذاكي” اللبنانية.
وإذا كان البعض يشير إلى هذه النقطة، بوصفها “كبّلت” رئيس الحكومة المكلَّف، الذي يعتقد باستحالة القدرة على تشكيل حكومة لا يشارك فيها “حزب الله” أو يوافق عليها، فإنّ العامل الأميركي حاضرٌ من خلال “التكهّنات” بتطوّراتٍ يمكن أن تحدث في الفترة الفاصلة عن تسليم السلطة أميركياً، مع توقّعاتٍ كثيرة بضربة من هنا، أو مناوشاتٍ من هناك، يمكن أن تقلب كلّ الموازين، وتغيّر “قواعد اللعبة”.
ماذا عن الداخل؟
لكن، في مقابل هذه الأسباب “الموجبة”، ثمّة من يتحدّث عن أسباب “موجبة” أكثر لـ “عزل” الملفّ الحكوميّ اللبنانيّ عن استحقاقات الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، التي بات يحلو للبعض تصويرها وكأنّ الحكومة اللبنانية هي التي تشغل كلّ بالها، بل أنّها تريد تسمية الوزراء ورسم المناصب، أو أنّها باتت جزءاً من لعبة “المحاصصة” على خطّها.
فعلى رغم أنّ هذه القراءة قد تكون “صائبة” في مكانٍ ما، باعتبار أنّه لا يمكن “القفز” فوق العامل الخارجيّ، والرغبات الأميركيّة وغيرها، بالمُطلَق، يبقى الأساس في الجهود الداخلية، التي تبدو “غائبة” كلياً، بذريعة انتظار “فرجٍ خارجي” قد لا يأتي أبداً، علماً أنّ كلّ ما يُحكى عن أسباب التأخير داخليّة صرف، وتتعلق بالحصص والمكاسب والمغانم.
فحتى لو كان صحيحاً ما يُحكى عن “فيتو” تضعه الولايات المتحدة على مشاركة “حزب الله”، وبالتالي عن انتظار “ليونةٍ” على هذا المستوى من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، فإنّ ذلك لن يلغي “العقدة” المتمثلة بالعلاقة “المقطوعة” بين عدد من المعنيّين بالملف الحكومي، ولا سيما بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، في ظلّ رفض الأول أيّ “تشاورٍ” معه، وتكبير الثاني لحجم “شروطه”.
قد يكون رائجاً “الهروب” إلى “عُقَد” الخارج كلما اشتدّت الأزمة داخلياً، فالحديث عن “مؤامرة دوليّة” من هنا و”حصار كونيّ” من هناك يحصد التعاطف، وربما التضامن، لكن قبل هذا وذاك، لعلّ الأوْلى والأجْدى بالمسؤولين اللبنانيين توفير الشروط التي “تحصّن” موقعهم التفاوضي، بعيداً عن “تقاذف المسؤوليات” كما هو حاصل!