أربعة أشهر على السلّة المدعومة: احتكار سلع ومراكمة أرباح التجار
كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
قبل أربعة أشهر، أطلقت وزارة الاقتصاد والتجارة، بالتعاون مع مصرف لبنان، لائحة السلع الاستهلاكية «الموسعة» المدعومة. يومها، نالت اللائحة تهليلاً ساد الاعتقاد معه بأنها بعد إطلاقها ستدفن فقر الناس. مواد ومنتجات على «مدّ العين والنظر» تضمّنتها اللائحة، ووصلت بالأرقام إلى 361 سلعة، بكلفة شهرية تبلغ 210 ملايين دولار. وقد أتت هذه اللائحة كـ «تعديل» على تلك التي كانت قد أصدرتها وزارة الاقتصاد سابقاً، وكانت تتضمّن دعم 30 سلعة أساسية. هكذا، «مطّت» الوزارة الدعم ليطاول 331 سلعة إضافية، ارتأت أنها تلبي حاجات المستهلكين، كما الحاجات الزراعية والصناعية.
لكن، في عزّ انطلاقتها، تبيّن أن غالبية تلك السلع والخدمات كانت خارج طموح الفقراء… بشهادة الناس أنفسهم. أضف إلى ذلك، أنه في الأقسام الأخرى، لم تكن الوزارات المعنية (الاقتصاد والزراعة والصناعة) على علم كاف باحتياجات القطاعات، فكانت لائحة «من فوق». أما الآلية التي وُضعت لـ«إيصال» الدعم عبر قنوات المستوردين فلم تترك لـ«الودّ» مكاناً، خصوصاً أن «النتيجة كانت معروفة سلفاً: مراكمة الأرباح في جيوب التجار واحتكار السلع وعدم وصولها إلى الفئات المستحقّة»، على ما يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو.
لكل تلك الأسباب، لم تصمد السلة بسلعها الـ361. فبعد أربعة أشهر، كان لا بد من الخلاصة التالية: التشحيل لـ«مطّ» الدعم لأطول فترة ممكنة! وفي هذا الصدد، صدر القرار بخفض عدد السلع المدعومة، ضمن الفئات التسع التي تضمّها السلة، مختزلاً منها 224 سلعة، فيما أبقى على 137 سلعة، بغية خفض الكلفة إلى «80 مليون دولار شهرياً بدلاً من 210 ملايين، بعدما قارب الاحتياطي الإلزامي لدى المصرف المركزي على النفاد»، بحسب ما يشير المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر. بحسب الأخير، ثمة أسباب دفعت الوزارة إلى اتباع سبيل الترشيد، فإضافة إلى أزمة الاحتياطي، تبين للوزارة أن ثمة إجابات على أسئلة طرأت خلال هذه الفترة، ومن بينها: هل كان المطلوب توجيه الدعم بالنطاق الصحيح؟ وهل هناك بعض السلع التي لا تمسّ الأمن الغذائي وكان يمكن الاستغناء عنها؟ وهل كانت هناك بعض السلع أو المنتجات التي لم تكن تحظى بطلبٍ كبير؟ وهل كان هناك دعم لبعض المواد الأولية لم يؤد إلى انخفاض سعر المنتج؟ وكان الجواب واحداً: «نعم».
لكن، لماذا وُضعت في السلة من الأساس سلعٌ كمبيّض القهوة وزيت النخيل والحليب المكثف المحلّى وعصير الكرمبري، والتي استغنى كثيرون عن استهلاكها مع بداية الأزمة المالية الاقتصادية؟
لا يجد برو سوى أنها «كانت تنفيعة للتجار الكبار»، مشيراً إلى أنه «طوال أشهر الدعم لم يصل منه سوى القليل إلى المستهلكين المستهدفين، فيما كان الجزء الأوفر من المواد والسلع إما يخزّن أو يهرّب إلى الخارج». وهو ما أعاد صياغته رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، وإن بطريقة أخرى، مؤكداً أن «عدداً من السلع المدعومة وُجد في أسواق بعض الدول مثل الكويت وتركيا». وبرأي بحصلي، ثمة أمران أساسيان أوصلا إلى فشل الدعم، وإن كان لا اعتراف إلى الآن بذلك. الأول – وهو الجزء المعلوم منذ البداية – يتعلق بضم لائحة طويلة من الكماليات إلى ما هو أساسي. ثمة خلط في ما هو أساسي وما هو دون ذلك، وهو يشبه الفارق بين «طحين الكرواسون وطحين الخبز العربي»! هذا الخلط سارت فيه ليس وزارة الاقتصاد وحدها وإنما سائر الوزارات، من الصحة إلى الزراعة والصناعة. ففي قطاع الأدوية أيضاً، كان الدعم عن «بو جنب»، وهو طاول في كثير من الأحيان أسماء أدوية متعدّدة للتركيبة نفسها. أضف إلى ذلك أن الدعم لم يكن من «جيب» الدولة، أي مدخولها، وإنما «من حسابي وحسابك بالبنك»، على ما يقول برو.
لا تنتهي الأسباب التي تدعو لـ«فرط» الدعم عند تلك الحدود، خصوصاً في ظل وجود سبب إضافي لا يقلّ أهمية ويتعلق بأسعار المنتجات والسلع. إذ لم تأت نتيجة الدعم كما خُطط لها لناحية خفض الأسعار. وبحسب تقارير جمعية حماية المستهلك التي خلصت بعد أشهر الدعم إلى أن «الأسعار بقيت على مسارها التصاعدي من دون تراجع». فعلى سبيل المثال، المنتجات أو المواد المستوردة أو المسعّرة بالدولار «ارتفعت أسعارها بين 500% و650%». أما «السلع التي تنتج بمواد معظمها محلي فقد ارتفعت أسعارها هي الأخرى وإن بنسبة أقل من المستورد».
من يتحمّل مسؤولية ذلك؟ «ليست وزارة الاقتصاد وحدها، وإنما رأس الهرم من الحكومة إلى مصرف لبنان وكل المعنيين»، يخلص برو. وهذا إن عنى شيئاً، فهو أن الدعم كان يجب أن «يوجه مباشرة إلى الناس». وهو ما لم تفعله الدولة.