ملفات الفساد… ما الذي يردع القضاء عن التحرّك؟
جاء في “المركزية”:
لا تنفك القوى السياسية تثير ملف الفساد المستشري في القطاع العام والمال المنهوب وتتساءل عن كيفية استرجاعه ومحاسبة الفاسدين، في حين تعقد مؤتمرات صحافية تقدّم خلالها الوثائق الثبوتية حول مناقصات أجريت تؤكد فضائح هدر المال العام في الوزارات والادارات والمؤسسات العامة آخرها لرئيس دائرة المناقصات جان العلية، ولا من يحرّك ساكناً.
تتساءل أوساط سياسية عبر “المركزية” لِمَ لا يتحرك القضاء على إثرها، مستنداً على الوقائع التي تمّ سردها واعتبارها مثابة إخبار ويقوم بالتثبت من صحتها او عدمها؟ وهل نحن دائما بحاجة الى التعاقد مع شركات محاسبة او تدقيق عالمية لكشف فضائح معروفة في ادارات الدولة؟ أم ان فتح ملفات الفساد يحتاج الى قرار شجاع لا يجرؤ احد على اتخاذه لأن سيف الفساد سيطاول الجميع؟
رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية الدكتور بول مرقص أوضح لـ”المركزية” ان “لا رغبة حقيقية لدى كثر من الاطراف السياسية، لرفع الغطاء السياسي عن زبائنها في الادارات والمؤسسات العامة والصناديق والمجالس والهيئات”، لافتاً الى ان “طالما لا وجود لهذه الرغبة، فإن كل ما يحكى عن قوانين وعوائق ومساع وجهود هي فقط إضاعة للوقت ومحاولة شراء وقت مع الجهات الدولية المقرِضة التي لن تأخذ هذا الموضوع على محمل الجدّ من الآن فصاعداً”.
واعتبر مرقص ان “مكافحة الفساد تبدأ بقرار شخصي يتخذه كل مواطن بالتصدي للممارسات الفاسدة والتمرد على واقعها، ومن ثم يجري البحث عن آليات قانونية مساعدة. تبدأ المحاسبة أولاً عند المواطن الذي يسهل عليه مثلاً ان يراقب ويُسائل البلدية عن وسائل صرف الأموال البلدية وجدواها في المحلّة التي يقيم، أكثر مما في وسعه مراقبة صرف اعتمادات الموازنة العامة على مستوى الوطن. فالمحاسبة تبدأ من المواطن في الانتخابات العامة الاختيارية والبلدية والنيابية ولا يمكن التعويل على محاسبة السلطات لبعضها البعض فحسب إلا عند اصطلاح النظام الديمقراطي وهو أمر متعذّر في لبنان حاضراً. واستطراداً فإن المحاسبة حتى في أحسن الاحوال الديمقراطية لا ترتكز على السلطة السياسية المؤلفة من أصحاب مصالح سياسية فحسب، بل خصوصاً على قضاة شجعان يتخذون قرارات جريئة لإعادة تفعيل النصوص الجزائية في لبنان في موضوعات الرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة كما حصل في تجربة القضاء الايطالي (حملة “الايادي النظيفة” Mani pulite)، وقد سبق أن اطلقنا مرصداً لرصد هذا النوع من الأحكام في لبنان ونشرها وحضّ الحقوقيين والناشطين المدنيين على التعليق عليها تحفيزاً لمثل هذا المسار القضائي وكذلك حضاً للمواطنين على تقديم الشكوى والمساءلة عند ملاحظة المخالفة. وهذا من شأنه على المدى المتوسط تطوير ذهنية المسؤولية والمحاسبة عند المواطنين والردع عند المسؤولين”.
ورأى مرقص “ان مكافحة الفساد لا تكمن في الانصراف الى سنّ مزيد من القوانين فحسب، بل في تطبيق القوانين القائمة، رغم حاجتنا الى قوانين خاصة بمكافحة الفساد وبشفافية الحياة الاقتصادية والسياسية وتنظيم تمويل الانتخابات العامة وإنشاء مصلحة مركزي قضائية لكشف أعمال الفساد Service Central de Prévention de la Corruption وإحالتها الى النيابة العامة، على غرار التجربتين الفرنسية والأميركية”.
وختم مرقص: “ليس ما يمنع، ريثما تتم الورشة التشريعية المطلوبة، من تطبيق النصوص الحالية لقانون العقوبات الصادر عام 1943 حيال جرائم الرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة المعددة في المواد 350 وما يليها من هذا القانون وفي سائر القوانين الموجودة من طريق تحرك النيابة العامة وتفعيل الاحكام القضائية”.