كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
أحدثت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن قلقاً غير مسبوق للبنان بوقوفه إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليسترد هيبته التي أُصيبت بأضرار كبيرة، من جراء قيام حركة «حماس» باجتياح المستوطنات الواقعة ضمن غلاف غزة، بخلاف ما كان متوقَّعاً من زيارته، لجهة سعيه لإقناع نتنياهو بعدم اجتياح قطاع غزة، لئلا تتمدد الحرب إلى الجبهة الشمالية في جنوب لبنان.
وارتفع منسوب القلق اللبناني مع إلغاء القمة الرباعية التي كانت مقرَّرة في العاصمة الأردنية بين بايدن والملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنها أُلغيت بعد قيام إسرائيل بقصف المستشفى في غزة.
وبدلاً من أن يشكل ذلك حافزاً لبايدن للتدخُّل لضبط إيقاع نتنياهو للبحث عن تسوية تؤدي إلى خفض المخاوف المترتبة على قيامه باجتياح قطاع غزة، ذهب بعيداً في توفير كل أشكال الدعم له، بدءاً بإعفائه من استهداف المستشفى، مروراً بالطلب من الكونغرس تأمين الدعم غير المسبوق لإسرائيل، وانتهاءً بحضور اجتماع المجلس العسكري الإسرائيلي المخصص لإعداد الخطة لغزو غزة.
فبايدن هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي يزور إسرائيل أثناء خوضها الحرب لتمكين نتنياهو من أن يسترد هيبته ويستعيد مكانته في الحياة السياسية، لئلا يلتحق بسلفيه؛ غولدا مائير التي استقالت بعد اتهام حكومتها بالتقصير في حرب تشرين الأول عام 1973، وإيهود أولمرت على خلفية التداعيات التي أحدثتها حرب تموز في لبنان عام 2006.
وفي هذا السياق، يقول مرجع سياسي لبناني (فضّل عدم ذكر اسمه)، إنه كان منتظراً من بايدن القيام بدور الإطفائي لمنع إقحام المنطقة في نزاع لا شيء يمنع تمدده من غزة إلى جنوب لبنان؛ فإذا به يرفع معنويات نتنياهو لتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، ويسأل إذا كان بايدن يتوخى من تحريض إسرائيل خوض معركته الرئاسية لولاية ثانية، وصولاً إلى «منحها» إجازة لقتل الفلسطينيين.
ويبدي المرجع السياسي استغرابه للموقف الأوروبي، في ضوء مبادرة عدد من رؤساء الدول الأوروبية للالتحاق ببايدن، بدلاً من أن يشكلوا قوة ضغط لوقف الحرب التي يتوعد بها نتنياهو قطاع غزة، ويستغرب انحيازهم المطلق لإسرائيل في ضوء الأجواء التي سادت المحادثات التي أجرتها وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا، في بيروت.
ويكشف أن كولونا حضرت إلى بيروت في مهمة بقيت محصورة في توجيه رسالة إلى لبنان كانت أشبه بإنذار تحت عنوان: «إياكم والحسابات الخاطئة، وما على أركان الدولة إلا التصرُّف على أساس أن موقف واشنطن أكثر تصلباً مما تتوقعون، وأن هناك ضرورة لضبط المجموعات المسلحة في جنوب لبنان، ومنعها من تحريك الجبهة الشمالية»، مع أن رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي أكدا أنهما يقومان بكل ما في وسعهما لمنع تمدد التوتر إلى الجنوب.
وعليه، فإن الرئيس ميقاتي، كما يقول المرجع السياسي، بادر إلى تشغيل محركاته باتجاه الدول العربية والغربية والمؤسسات الدولية للنأي بلبنان عن التوترات في المنطقة، إضافة إلى أنه يعقد لقاءات مع المنظمات المعنية بالإغاثة يتطلع من خلالها إلى إعداد خطة متكاملة تحسباً لما يمكن أن يطرأ.
كما أن ميقاتي على تواصل مع «حزب الله»، من خلال المعاون السياسي لأمينه العام حسين الخليل، مراهناً على تعامله بواقعية حيال أي تطور يشهده الجنوب تقديراً منه للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المأزومة في البلد.
وفي المقابل، تبدو الدول المعنية بلبنان من زاوية حرصها على النأي به عن التوترات التي تعصف بالمنطقة، وكأنها في حيرة من أمرها، وهي تحاول أن تتقصى المعلومات حول كيف سيتعاطى «حزب الله»، في حال قيام إسرائيل بالدخول براً إلى غزة، خصوصاً أن أمينه العام حسن نصر الله لم يقل كلمته بعد، كما جرت العادة في أحداث سابقة تتعلق بالصراع مع إسرائيل، لتحديد خريطة الطريق الواجب اتباعها انطلاقاً من أن مسؤولين حزبيين بارزين أكدوا أن الحزب لن يقف على الحياد إزاء تطور عسكري بهذه الأهمية، وسيكون له ارتداداته وتداعياته على دور المقاومة الإسلامية في مواجهة إسرائيل على قاعدة وحدة الساحات.
ومما زاد في تقصي الجهات، أكانت دولية أو إقليمية، عن رد فعل الحزب إذا غزت إسرائيل قطاع غزة، أنها فوجئت بالخطاب الذي ألقاه رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين في يوم التضامن مع غزة الذي بقي في إطاره التضامني وحصره بهجومه على الولايات المتحدة والدول الأوروبية لانحيازها لإسرائيل.
وهناك من يقول إن الحزب وإن كان يثق بقدرة غزة على الصمود لأشهر في وجه الغزو الإسرائيلي كما بلغه من قيادة «حماس»، فإن نصر الله لن يخاطب جمهوره ما لم يكتمل المشهد السياسي وما يرافقه من تطورات، ويعود له اختيار التوقيت المناسب لمخاطبته، وإن كانت طهران تحذر من تمدد المواجهة بانضمام قوى إقليمية أخرى. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب يخوض حرب استنزاف على طول الجبهة الشمالية يتوخى منها إشغال إسرائيل، ومنعها من أن تحصر قوتها النارية ضد غزة، مضيفاً أن «أمر العمليات» يبقى مرتبطاً بالوضع الميداني وسير المعارك، وبالتالي لا ضرورة لحرق المراحل ما دامت تل أبيب تتوقع أن يطول أمد الحرب، رغم أن المواجهة في حال حصولها هذه المرة تختلف عن حرب تموز 2006.