كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
على رغم تلويحه بالعقوبات ضدّ معرقلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يمكن القول إنّ اجتماع الخمسة في الدوحة انتهى إلى لا شيء، كما كان متوقعاً. حتى إنّ الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان قد لا يجد شيئاً يستحق المجيء إلى لبنان من أجله، بعد أيام.
في الظاهر، يبدو التعثر في الانتخابات الرئاسية وكأنّه نتيجة لصراع بين محورين: إيران ودمشق و«حزب الله» من جهة، والمملكة العربية السعودية والغربيين من جهة أخرى. لكن هذا التصور غير دقيق. فداخل المحور المقابل لطهران وحلفائها، هناك إرباك واضح في التعاطي مع ملف الرئاسة. والخمسة الذين التقوا في الدوحة قبل يومين أظهروا اختلافاً واضحاً في مقاربة هذا الملف.
عملياً، إيران «تخرق» لقاء الخمسة من خلال الشريك الفرنسي الذي يقاتل لتسويق معادلة: سليمان فرنجية- نواف سلام، ويحاول إقناع الأربعة الآخرين بها. أي إنّ اللاعب الفرنسي يؤدي مهمّة تخدم إيران وحليفيها دمشق و«الحزب»، في الدرجة الأولى.
فالجميع يدرك أنّ ولاية رئيس الجمهورية في لبنان تدوم 6 سنوات، وأنّ الدستور لا يتيح إزاحة هذا الرئيس إلاّ في حالات نادرة جداً. أي أنّ حليف «حزب الله» سيمسك بالسلطة طوال هذه الفترة، ولن يستطيع أحد إزاحته، مهما تبدّلت الظروف والمعادلات السياسية.
وأما الحكومة ورئيسها المفترض أنّه ينتمي إلى صف المعارضة، فيمكن تبديلهما بسهولة، عندما تقرّر الغالبية النيابية ذلك. ولهذا السبب، يمكن الاستنتاج أنّ الطرح الفرنسي يصبّ في مصلحة إيران وحلفائها. ولذلك، هم يراهنون على نجاحه في النهاية.
ولكن، هل فرنسا وحدها تؤيّد معادلة فرنجية- سلام، أم إنّ هناك آخرين داخل مجموعة الخمسة يؤيّدونها ضمناً أو يمكن أن يسهّلوا مرورها بلا اعتراض؟
يسجّل بعض المتابعين تراجعاً واضحاً في حدّة الرفض للطرح الفرنسي، داخل المجموعة. فالمملكة العربية السعودية التي قاتلت سابقاً ضدّ الطرح، باتت اليوم أقرب إلى الحياد، وهي تفضل أن يتوافق اللبنانيون على الرئيس الذي يريدونه، وتبارك هذا التوافق أياً كانت طبيعته.
وأما الولايات المتحدة فهي، في الأساس، لم تعلن موقفاً حاسماً في ما يتعلق بشخص الرئيس العتيد. وفي الغالب، يبدي الأميركيون اهتماماً بالضمانات والمصالح لا بالأشخاص. فإذا تلقّوا وعوداً بأنّ العهد سيلتزم نهجاً معيناً، يكفل الاستقرار الداخلي ودور لبنان الإقليمي والدولي، فإنّهم على الأرجح يتركون اللعبة السياسية تأخذ مداها في لبنان.
وهذا ما فعله الأميركيون عندما وافقوا على اختيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، في العام 2016، على رغم كونه حليفاً وثيق الصلة بـ«حزب الله». وفي النهاية، عون هو الذي خاض المفاوضات مع إسرائيل، برعاية أميركية، وهو الذي وقّع اتفاق ترسيم الحدود البحرية. ولذلك، لا يعتبر الفرنسيون أنّهم في صدد مواجهة مع واشنطن حول هوية رئيس الجمهورية في لبنان. وفي تقديرهم أنّ المسألة هي مسألة وقت لإنضاج التسويات. وسيكون رهان الأميركيين هو برنامج الرئيس أو الضمانات التي يطلبونها.
وأما مصر فليس متوقّعاً أن تعاكس اتجاه الغالبية داخل المجموعة. وستبقى قطر هي الأشد اعتراضاً على انتخاب رئيس حليف لدمشق. وعلى الأرجح، حجم هذا الاعتراض مرتبط خصوصاً بالقطيعة مع دمشق. ولكن، في مراحل سابقة، وأبرزها في العام 2008، رعت الدوحة تسويات بين القوى اللبنانية حفظت فيها مطالب طهران وحلفائها.
اليوم، تقف طهران متفرجة على الجبهة غير المتماسكة التي تقابلها، وهي تتوقع أن يصيبها المزيد من الضعف، لأنّ الطرف الأقدر على الأرض في لبنان هو «حزب الله»، المدعوم من طهران مباشرة. ولا أحد يستطيع إمرار أي تسوية لا ترضيه، مهما طال النزاع.
إذاً، ستبقى مجموعة الخمسة في وضعية المراوحة إلى أن يقتنع أركانها بتسوية توافق عليها إيران. وفي عبارة أخرى، إلى أن يوافقوا على طرحها. وفي أي حال، هي ليست مستعجلة، لأنّ عامل الوقت يصبّ في مصلحتها.
وهكذا، يُستعاد السيناريو إيّاه الذي عاشه لبنان بين 2014 و2016، أي خلال فترة الفراغ الرئاسي التي أرادها «حزب الله»، مهما طالت، حتى تنضج الظروف فيأتي مرشحه إلى الرئاسة.
ولذلك، ليس هناك أفق زمني لانتظار التسوية. لكن الواضح أنّ جبهة خصوم إيران هي التي تتزعزع، حجراً تلو آخر.
في هذا الخضم، يبدو الصراع صغيراً وضيّقاً في لبنان فقط، وهو يتخذ شكل التنافس بين الأسماء والزعامات. وأما على المستوى الإقليمي والدولي، فالأهمية ليست للأسماء بل لضمان هذه المصالح أو تلك. ولذلك، في ملف الرئاسة، يبدو الطريق طويلاً وكل الاحتمالات تبقى واردة.