الهجرة الى ازدياد.. وأرقام المغادرين لا تحصى
كتبت المركزية: لا شك ان الهجرة الطوعية حلم يراود كل لبناني بحثاً عن مستقبل افضل. والتاريخ خير شاهد على مغامرات اللبنانيين الذين سبروا أغوار البحار غير عابئين بالمخاطر، وحطوا رحالهم في القارتين الاميركية والافريقية، يفتشون عن فرص عمل أفضل. لكن هذه المرة اختلفت الاسباب، إذ وجدوا انفسهم أمام حائط مسدود، لا أفق أمامهم، فالازمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والمالية متراكمة والفساد مستشر والسلطة السياسية غائبة، وجاء انفجار مرفأ بيروت وتبخر الامال بالتغيير التي بثتها ثورة 17 تشرين ابان انطلاقتها ليزيد الطين بلّة، وبات كل لبناني يتحين اي فرصة للهروب نحو بلاد الله الواسعة. فكل مكان أفضل بالنسبة اليهم من بلدهم.
وما يزيد من رغبة اللبنانيين بالهجرة المؤشرات الاقتصادية المخيفة. فقد أكد مسؤول الشؤون الاقتصادية في الاسكوا خالد ابو اسماعيل اليوم أن ترتيب لبنان انخفض وتضاعفت ارقام الفقر، بحيث وصلت الى 55% من مجموع السكان، كما توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة 25٪. كذلك، انخفضت الواردات إلى النصف لأن القوة الشرائية اللبنانية تلاشت مع انهيار الليرة، التي فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ العام الماضي، يضاف اليها الخوف من رفع الدعم عن استيراد الوقود والأدوية وبعض المواد الغذائية
وما يدل الى يأس اللبنانيين هي الهجرة غير الشرعية في البحر باتجاه قبرص والمحفوفة بالمخاطر. ووفقا لاحصاءات الامم المتحدة فقد غادر نحو 30 مركباً في الفترة الممتدة بين تموز وتشرين الاول الماضي، صحيح ان معظمهم من السوريين الا ان من بينهم اعدادا كبيرة من اللبنانيين خاصة من مدينة طرابلس. بعضهم اضطر لرمي أطفاله في قعر البحر بعد وفاتهم لعدم تحملهم ظروف السفر الشاقة، وبعضهم وجدت جثثهم على الشاطئ اللبناني. كما كشفت قوى الامن مؤخرا عن شبكة في مطار بيروت تقوم بتهريب الاشخاص الى اسبانيا. وتحدثت المعلومات ايضا عن هجرة واسعة في القطاع الطبي اذ غادر لبنان نحو 1500 طبيب و2000 ممرضة.
ويتهافت اللبنانيون على السفارات للاستفسار عن طرق تقديم طلبات الهجرة والمستندات المطلوبة، وبرزت كندا في طليعة الوجهات المفضلة، تليها أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية، مروراً بتركيا وقبرص واليونان التي غادر إليها البعض بالفعل، نظراً للتسهيلات التي تقدمها.
43.764 شخصاً غادروا لبنان عبر مطار بيروت الدولي، خلال فترةٍ لا تتعدّى 12 يوماً، بعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، في الرابع من آب الماضي، بحسب “الدولية للمعلومات” تاركين خلفهم كثيراً من الآمال الزائلة. الارتفاع المتنامي في أعداد المغادرين ينعكس رغبة شديدة لدى غيرهم من اللبنانيين، في الهجرة نحو أيّ بلدٍ يحفظ كرامتهم الإنسانية وحقوقهم الأساسية، بعدما فقدوا الأمل ببناء وطنٍ يضمن أمنهم وسلامتهم، ويؤمّن أبسط مقوّمات العيش الكريم.
وكانت “الدولية للمعلومات” كشفت في 26 آب الماضي، أنّ متوسط عدد الآتين إلى لبنان انخفض بنسبة 12.3 في المائة بعد 4 آب الماضي، إذ بلغ 2410 آتين يومياً، في حين كان 2750 قبل تاريخ الانفجار، بينما ارتفع متوسط عدد المغادرين بنسبة 36 في المائة، ليبلغ 3978 مغادراً يومياً بعد الانفجار، بعدما كان 2925 قبل ذلك التاريخ.
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أكد لـ”المركزية” “ان لا ارقام دقيقة او احصاءات، وهي غير مبنية على وقائع، إنما عشوائية”. وعن اعداد الاطباء المهاجرين، قال: “عندما يسافر المواطن عبر المطار، فهو لا يذكر انه طبيب”، لافتا الى “ان الاطباء الذين يغادرون يحملون بمعظمهم جنسيات اجنبية او كانوا يعيشون في الخارج فترة طويلة ويعودون الى حياتهم السابقة، وبالتالي عندما يسافر عبر جواز سفره الاجنبي لا يدخل ضمن اعداد اللبنانيين المهاجرين ولا يعطي علماً وخبرا لنقابة الاطباء، ولا يمكن ان نعرف عدد الاطباء الحقيقي المغادر. فمعظم الاطباء يحملون جنسية البلد الذي تابعوا فيه دراستهم خاصة في الولايات المتحدة وفرنسا باستثناء روسيا”.
اضاف: “لا شك ان اعداد المغادرين مرتفعة مقارنة مع الفترة الماضية، لكن قبل نهاية العام، قبل صدور تقرير المطار، لا يمكننا معرفة العدد الفعلي. لذلك لا ارقام دقيقة. وقمت بمقاربة، أخذت اعداد المغادرين عبر مطار بيروت من مطلع العام وحتى نهاية ايلول 2019، بلغت حركة المغادرين والقادمين 900 الف لبناني، بقي منهم 5 الاف في الخارج، وقارنتها مع الفترة نفسها من العام 2020، فتبين ان الاعداد المغادرة نحو 900 الف وحصيلة من بقي في الخارج 20 الف لبناني، وهذا يدل الى ان 15 الف شخص اضافي غادروا لبنان ولم يعودوا. ولكن هذه مجرد مقاربة تظهر ان هناك ارتفاعا في اعداد الهجرة”.
وختم: “اتصلنا مع عشرات السفارات للاستفسار وتبين انها لا تسهل الامور بل بالعكس تتشدد، لا موجة هجرة انما رغبة كبيرة في المغادرة، ولكن بين الرغبة والتنفيذ فرق شاسع”.
المصدر: المركزية