ما مصير ودائع اللبنانيين في المصارف بعد شباط 2021؟
كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”: رسمَ حاكم مصرف لبنان في حديثه الأخير خريطة طريق للمصارف للأشهر الاربعة المقبلة، على أن يتحدّد في نهايتها مصير المصارف اللبنانية. فهل من خطر على الودائع؟ وهل يستطيع المركزي تنفيذ تهديداته اذا ما تبيّن انّ عدد المصارف العاجزة عن تلبية الشروط لا يُستهان به؟
دعا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في تصريحه أمام جمعية المودِعين اللبنانيين، المصارف الى تطبيق تعاميم المصرف المركزي بدقة، فطالَبهم بإعادة تكوين التزاماتهم، وزيادة رساميلهم بنسبة 20 %، وإعادة الاموال المحوّلة بنسبة 15 الى 30 %، واعادة تكوين نسبة 3 % في حساباتهم لدى المصارف المراسلة، على أن يستحوذ مصرف لبنان على المصارف التي تفشل في تطبيق هذه الخطوات.
لا شك في انّ التزام هذه البنود ليس بالمهمة السهلة في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان، فمَن أخرجَ أمواله من المصارف لن يعيدها البتة، ولن يُقدم أي مستثمر على الاستثمار مجدداً في القطاع بعدما اهتَزّت سمعته. يبقى انّ الشرط الاصعب هو تأمين 3 % في حساباتهم لدى البنوك المراسلة. وفي انتظار الغربلة المتوقعة للقطاع، والتي ستتضِح معالمها في شهر شباط المقبل، لعلّ ما يهمّ المواطن اليوم هو مصير الودائع.
في السياق، أوضح الرئيس الاسبق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود: «عندما يصرّح المصرف المركزي انه في حال لم تتمكن المصارف من التزام الإجراءات المطلوبة منها حتى شهر شباط المقبل فإنه سيَضع يده على المصارف التي تفشل، إنما يهدف بذلك الى وضع يده على أسهم أصحاب المصارف حماية للودائع، وهو بذلك يحلّ مكان جمعية المساهمين في اختيار مجلس الإدارة وفي وضع يده على الأسهم بصورة مباشرة او غير مباشرة ولو بشكل دائم او مؤقت، وذلك بغرض حماية الودائع. وطمأنَ حمود الى أن لا خوف من قدرة المركزي على حماية الودائع لأنّ الالتزامات اليوم، ولو كانت بالدولار، إنما هي بالدولار المحلي أي بالليرة اللبنانية، والتزام المصرف المركزي بتأمين بالليرة اللبنانية لا يشكّل له أي عبء.
وأكّد حمود انّ المصارف اللبنانية ملتزمة بالمؤونات المطلوبة منها وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية. وبالتالي، اذا رغب المساهمون إرادياً او لاإرادياً بعدم زيادة رساميلهم واموالهم الخاصة ورفضوا تحويل اموال المودعين الى أسهم، في هذه الحال ولدى وَضع اليد على أسهم اي بنك او على ملكيته تكون موجوداته في المصرف المركزي وموجوداته التي سبق ان سلّفها مُغطّاة بالالتزامات المتوجبة عليه بالودائع. وعليه، فإنّ موجودات كل المصارف، باستثناء عدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، تغطي المطلوبات، لكنّ هذا الواقع لم يعد كافياً اليوم.
واعتبر حمود انّ وضع يد المركزي على مصرف متعثّر بات أسهل اليوم، إذ انه في السابق، أي قبل الأزمة المالية، في حالة التعثّر كان المودع يهرّب دولاراته الى الخارج، أمّا اليوم فهو ينقل أمواله من مصرف الى آخر، أي تبقى وديعته في المصارف اللبنانية ولا يتغير عليه شيء سوى ملكية المصرف. وأوضح انه طالما انّ الرسملة بالليرة اللبنانية فإنه من السهل على المصرف المركزي ان يؤمّنها لتغطية حاجات المودعين.
ورداً على سؤال، أوضح حمود انه حتى تتمكّن المصارف من تغطية الأموال المطلوبة منها وفقاً للمعايير المحاسبية، عليها زيادة أموالها الخاصة، والمصرف الذي لا يتمكن من زيادة رأسماله لن يسمح له المركزي بالاستمرار. وبالتالي، سيضطر الى وضع يده عليه وتغطية الأموال الخاصة المطلوبة بهدف استمرارية عمله. وفي حال طاوَلَ التعثر ثلاثة أو أربعة مصارف، يمكن للمصرف المركزي عندها ان يدمجها بعد ان يستحوذ عليها. ففي ظل الأوضاع الراهنة لن يُقدم أي مصرف على خطوة مماثلة من تلقاء نفسه إذ إنه لا مصلحة لأيّ بنك اليوم ان يندمج مع مصرف آخر، لأنّ هذه الخطوة ستزيد التزاماته بالودائع تجاه المودعين، بما يعني انه سيزيد الضغط عليه لناحية تلبية الطلب على سحب الودائع، لا سيما الودائع بالدولار. إنطلاقاً من ذلك، اعتبر حمود انه من الضروري ان يستمر المركزي في الخطة التي وضعها للمصارف، وان يتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، مع العلم انّ المصارف لن تكون راضية عن الشروط التي وضعها المركزي. لذا، توقّع حمود ان يفتح المصرف المركزي في المرحلة المقبلة باباً يسمح خلاله باسترجاع الأسهم لِمَن يريد.
مصير الودائع
وعن مصير الودائع في حال وضع المركزي يده على أي مصرف، قال: انّ قول المصرف المركزي انه سيستحوذ على المصرف الذي لا يلتزم بالشروط التي يضعها يجب ان يُطمئن المودع، فلو كان في نيّة المركزي ان يضرّ بالمودعين كان اتجه نحو القانون 2 / 67 أي الإفلاس، بحيث تتعاطى محكمة الإفلاس مع المصرف المتعثّر، وفي هذه الحال تصبح أموال المودعين معرّضة للهلاك، إنما ما يحاول المركزي فعله اليوم هو الابتعاد قدر الإمكان عن قانون الافلاس، وتحويل ملف المصارف المتعثرة نحو الهيئة المصرفية العليا، أي الدفع باتجاه الدمج او التصفية الذاتية، بحيث يستحوذ مصرف لبنان على الموجودات ويصفّيها.
المصدر: 24