كتبت عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تنعم زراعة الحشيشة في البقاع الشمالي منذ ما يقارب ثماني سنوات برخاءٍ وهدوء، ويمرُّ الموسم بسلام بعيداً من إجراءات الدولة الأمنية لتلف المحصول قبل نضوجه، والتي كانت تتسبّب دائماً في مواجهات مسلّحة بين المزارعين والقوى الأمنية، وتكاد تفجّر الوضع الأمني برمّته في المنطقة… وكأنّ تشريع هذه الزراعة التي ينادي بها الجميع يأخذ طريقه العملي إلى التنفيذ بانتظار صدور المراسيم التنفيذية، حيث تغضّ الدولة الطرف عن الحقول الخضراء التي تعلوها هذه النبتة.
حشيشة الكيف أو ما يعرف بالقنّب الهندي، كلمة مشتقّة من الكلمة العبرية «شيش»، وتعني الفرح أو الكيف، ولربّما هذا المزاج العالي الذي تمنحه أثناء تعاطيها هو ما دفع بالرومان إلى نقشها إلى جانب نقوشات سنابل القمح على مدخل معبد باخوس في قلعة بعلبك، ما دفع أحدهم للقول: ربّما كان الرومان في ذلك الوقت «يكيّفون».
عشرات السنين مرّت على زراعة الحشيشة في البقاع الشمالي، فهي قديمة قِدم معاناة المنطقة وحرمانها منذ عقود، وقد بدأت زراعتها منذ الأربعينات حيث أتى ببذورها أشخاص من زحلة من عائلات سكاف وطعمة وسيقلي، ومعها بدأ انتشارها في القرى والبلدات البقاعية كون المناخ وشحّ المياه يلائمان زراعتها التي تبدأ بداية شهري آذار ونيسان، ومنتصف أيلول يبدأ موسم القطاف. وتتوزّع المساحات المزروعة كل عام على بلدات اليمونة، بوداي، الهرمل، دار الواسعة، دير الأحمر، بشوات، ايعات، أي المنطقة الجبلية من بلدة كفردان وصولاً حتى الحدود السورية لجهة الهرمل.
لم تجد الدولة بعد حلاً لزراعة الحشيشة لجهة وضع المراسيم التنفيذية والتعويض عن المواسم التي كانت تتلف من دون أن يقبضها المزارعون، حالهم حال باقي مزارعي الخضار والفواكه الذين يقضي الصقيع على مواسمهم من دون دفع تعويضات، إضافة إلى تعرّض الزراعات البديلة كالقمح والبطاطا سنوياً للخسائر نتيجة التقلّبات المناخية والآفات التي تصيبها وتكلفة ريّها وثمن الأدوية الزراعية، ما يدفع مزارعي الحشيشة إلى التمّسك بها، فهي تعود بالربح المادي الوفير، ولا تتأثر بالصقيع أو الأمراض، وتحتاج إلى الرّي بمعدّل أقلّ عن غيرها.
وقد بدأت مقارنة زراعة الحشيشة مع زراعة القمح بالظهور، والتسويق أنّ الأخيرة تدّر أرباحاً أكثر من الأولى.
أحد مزارعي الحشيشة في البقاع (ح. ش.) وله باعٌ طويل في زراعتها، يقول لـ»نداء الوطن»: «الحشيشة مصدر رزق وعيش لكثيرين، وتعمل فيها مئات العائلات، وتؤمّن مردوداً للمزارعين والعمّال معاً يقيهم شرّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، كذلك تحرّك العجلة الاقتصادية للعديد من القطاعات، وتكلفتها وما تنتجه مقارنةً مع الزراعات الأخرى يدفعان إلى اعتمادها: فالألف متر مربّع يحتاج إلى مئتي كيلو قمح بذار، ويجني بين 500 و800 كيلو، ويحتاج للريّ المنظّم والأسمدة، بهامش ربح يصل إلى 500 دولار بعد حسم ثمن البذور المؤصلة والحراثة وغير ذلك. بينما كلّ ألف متر مربّع «دونم» ينتج ما بين 500 و750 كيلو من الحشيشة الخضراء بتكلفة لا تتجاوز 300 دولار بين بذور وحراثة ورّي 3 مرّات في السنة، إضافةً إلى إيجار قطافها، ويباع محصول الأخضر لكل ألف متر مربّع بـ1000 دولار كحدّ أدنى، وفي حال استكمل المزارع تجفيفها ودقّها وغير ذلك، يصل الثمن إلى 2000 دولار للدونم الواحد».
ويتابع: «الحشيشة أنواع: الزهرة، الكبشة، وأجودها «الهبُو»، وزهرة «الكولش»، وبعد القطاف في أيلول يبدأ المزارعون بتجفيفها وكبسها في معامل خاصة ابتكروها بأنفسهم، وعندما تتحوّل مادة تشبه الطين وتسمّى القطعة منها «الهقة» وتزن كيلوغراماً، توضع في أكياس خام وتصبح جاهزة للبيع، وهي تباع بين 100 و200 دولار. أما في حال صدّرت إلى الخارج فيصل ثمنها إلى ألف وخمسمئة دولار بعد دفع أجرة نقلها. ومن هنا، لا زراعات بديلة يمكن أن تعوّض ما تدرّه الحشيشة، صحيح أنّ القمح يجني أرباحاً أكثر، ولا يحتاج إلى ما تحتاجه الحشيشة من تجهيز للأرض وغير ذلك، لكنّه يواجه مشكلة المساحة. وعليه، يتّجه المزارعون إلى الحشيشة، فالقمح لا يدرّ أرباحاً إذا زرع ضمن مساحات صغيرة تكفي للحشيشة مثلاً، فهو يحتاج إلى مساحات شاسعة ضمن سهل البقاع، ومعظم مزارعي الحشيشة يزرعون ضمن أراضٍ متوسّطة وصغيرة الحجم، وفي الجبال أيضاً، فضلاً عن أنّ القمح الذي يزرع في البقاع لا يصلح للخبز والطحين».
بدوره يشير مصدر أمني لـ»نداء الوطن» إلى «أنّ الوضع الأمني في المنطقة تبدّل عن السنوات الماضية، ومنذ العام 2019 ومع المهام الملقاة على عاتق القوى الأمنية والجيش اللبناني في حفظ الأمن، لم تقم الدولة بتلف مواسم الحشيشة، وقبلها كذلك بأعوام تجنّباً لصدامات مع المزارعين ووقوع جرحى، وثانياً عدم حلّ الملفّ بشكلٍ كامل لجهة دفع تعويضات عن المواسم السابقة التي أتلفت، أو التوجّه نحو الزراعات البديلة التي وعدت بها الدولة».
ويضيف: «زراعة الحشيشة لم تتراجع خلال هذه السنوات، لكن عملية تصريف الإنتاج وتهريبه تراجعت بفعل الضربات الإستباقية للقوى الأمنية في كشف الشحنات قبل تهريبها، ووجهة تهريب حشيشة الكيف هي مصر والأردن، وتباع «الهقة» بأضعافٍ مضاعفة ناهيك عن أجرة الطريق من لبنان مروراً بسوريا وصولاً إلى الدولتين، وأغلب طرق التهريب تتمّ عبر البرّ خلافاً للمخدّرات الأخرى»، مشيراً إلى «أنّ كل الإجراءات والتوقيفات لا تثني المزارعين والتجّار عن مواصلة عملهم لجهة الزراعة والتوضيب، وبحسب هؤلاء، كلّما عتقت البضاعة كان الطلب عليها وافراً».