كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
منذ تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بعد الجريمة الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة ورد المقاومة عليها، طُرحت الأسئلة من جديد حول ما اذا كانت الجبهة اللبنانية ستكون معنية بالتصعيد ولو جزئيا بعد الصواريخ (المفترض أنها مجهولة المصدر) التي أُطلقت قبل أسابيع على الاراضي المحتلة على أثر الاعتداءات على القدس.
هي أسئلة تبرز مع كل حدث جديد وهي ليست واقعية بأي حال كون الجبهة اللبنانية محكومة بعوامل عديدة على رأسها النية الإسرائيلية نفسها في التصعيد وهو ما لا يتوافر منذ سنوات طويلة نتيجة قوة الردع في وجهه.
داخل فلسطين برزت نظرية “وحدة الساحات” التي خرج بها كثيرون منذ احداث الاراضي المحتلة في أيار 2021، لكن بات واضحا انها تفتقر الى الواقعية سواء داخل فلسطين المحتلة في أراضي الخط الاخضر أي الاراضي التي احتُلت العام 1948 او تلك التي احتُلت في العام 1967، أو بين الحكومة الاسرائيلية واعدائها خارج فلسطين في لبنان وسوريا.
فقبل عامين إلتهبت الارض تحت اقدام الاسرائيلي في كل الاراضي المحتلة وفي غزة وكانت الهبة الشعبية المدنية في أراضي الخط الاخضر، وتخلل ذلك مناوشات معنوية من لبنان الذي تخشى منه الحكومة الاسرائيلية ولا تريد فتح الجبهة ضد مقاومته.
أما في آب الماضي فقد دخلت الحكومة الاسرائيلية معركة ضد “حركة الجهاد الاسلامي” لوحدها، وأسفرت المعركة عن ضربة موجعة للجهاد لكن مع خلاصة بأن قدرة الردع الاسرائيلية تتآكل كل يوم.
واليوم حاولت إسرائيل تحييد الجميع لاستفراد الجهاد وتمكنت جزئيا بينما توحدت المقاومات في “غرفة العمليات المشتركة”، لكن فلسطينيي الداخل وفي الضفة لم يتحركوا، كما أن الصواريخ مجهولة المصدر التي اطلقت قبل اسابيع اخيرة بعد الاعتداءات على القدس، لم تظهر.
من الواضح بأن الحكومة الإسرائيلية في إحدى اكثر النسخ تطرفا وفاشية منذ نشوء الكيان في العام 1948، تريد الهروب الى الامام مثلما تهدف الى وضع التصعيد في نصابه.
وفي لحظة موسومة بالتخبط السياسي الداخلي إسرائيلياً، بين حكومة غير مستقرة وحركة اعتراض تحاصرها من يسارها ويمينها ومن داخلها، فإن هذا الهجوم نفسه يأتي على ضوء المأزق الذي يعانيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، الذي تدهورت شعبيته دراماتيكيا خلال اشهر قليلة وبات يخوض معارك انتحارية لائتلافه على جبهات متعددة، بدءاً من الانقلاب على السلطة القضائية وسط وضع اقتصادي متراجع، في موازاة تآكل قدرة الردع الإسرائيلية.
من هنا تسبب التراجع الكبير في شعبية الائتلاف الحاكم وبروز خطر سقوطه، في لجوء نتنياهو، الهارب الى الامام، الى جريمته وربما غيرها لكي لا يتخطاه منافسه بيني غانتس الذي صار المفضل عند جمهور الكيان كرئيس حكومة، فخضع لشروط شريكه في الحكم المتطرف الأكثر يمينية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي توقف عن المشاركة في اجتماعات الحكومة والتصويت لصالح مشاريع قراراتها في الكنيست، بسبب احتجاجه على ضعف الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، كما هدد بعدم التصويت لصالح الموازنة العامة بما يعني سقوط الحكومة. فكان أن علّق مقاطعة اجتماعات الحكومة بعد الجريمة، مطالباً في الوقت نفسه بالمزيد من الاغتيالات!
الجريمة الإسرائيلية الجديدة التي يرى نتنياهو أن ثمنها أقل عليه من تدهور شعبيته، وحكومته نفسها قامت على قاعدة تطبيق ضم المناطق الفلسطينية وتهويد القدس وقطع الطريق على فكرة حل الدولتين بصورة نهائية، لن تسقط نفسها على لبنان كون ذلك سيؤدي الى مفعول عكسي عليه وقد يجر الأوضاع الى تدهور دراماتيكي كبير وواسع.
على أن عوامل رئيسية تحكم الجبهة اللبنانية.
لم يتنصل “حزب الله” من الصواريخ التي أُطلقت قبل أسابيع، لكن هذا شيء وفتح الجبهة شيء آخر تماماً والذي لن يستدعيه سوى تطور دراماتيكي مثل تخطي خطوط حمراء كبرى على مثال التعدي الكبير على القدس والتهويد، أو اللجوء إلى عمليات تهجير جماعي “ترانسفير” على غرار مراحل نشوء الكيان، أو في حال لجأت الحكومة الاسرائيلية نفسها الى توسيع البيكار والضرب العسكري تحت الحزام في إيران أو في لبنان، وهو ما ليست تلك الحكومة في وارده اليوم ناهيك عن عدم قدرتها عليه.
وبذلك لن تكون التداعيات الفلسطينية هامة على لبنان الذي يفتقد الاجماع الداخلي والتفويض للحزب للقيام بما يراه مناسبا في الصراع مع إسرائيل وهو ما يراعيه الحزب من دون حاجته عسكريا له..
على أن خرق إسرائيل لقواعد الإشتباك حتى من دون تصعيد عسكري كبير ضد “حزب الله” ولبنان، سيؤدي الى رد عسكري من الحزب حسب الظروف والتقديرات، أما دون ذلك فلا خوف من تطورات دراماتيكية جنوباً.
الأمر الهام هنا أن الأعين يجب أن تبقى شاخصة على المياه اللبنانية، ذلك أن حرمان لبنان من ثروته البحرية سيؤدي من دون شك الى تصعيد الأمور وربما الحرب وهو الأمر الذي كان “حزب الله” قاب قوسين أو أدنى منه، قبيل توصل لبنان في تشرين الأول الماضي الى اتفاق التنقيب مع الحكومة الإسرائيلية برعاية أميركية.