3 أمورٍ بارزة طرحت نفسها على المشهد المصرفيّ في لبنان خلال الأسبوع الماضي: الأمر الأول يرتبطُ بكلامٍ عن دخول مصارف جديدة إلى لبنان، في حين أنّ الثاني يتعلق بكلامٍ قيل مؤخراً عن أنّ المصارف قادرة على تأمين سيولة بملياري دولار لتحقيق النمو في الإقتصاد. أما الأمر الثالث فيشيرُ إلى وجود نيّة لدى المصارف لإستئناف عمليات التسليف للقطاع الخاص والأفراد.في الواقع، فإنَّ الكلامُ حول هذه الأمور الـ3 بسطحيّة يُساهم في نسفِ الكثير من الحقائق القائمة، فما طُرح ليس سهل التطبيق في ظلّ أزمة سيولةٍ قائمة سواء ضمن المصارف أو لدى البنك المركزي. ولهذا، تأتي الأسئلة التالية في مكانها: ما الذي يجب معرفته عن كلٍ أمرٍ من هذه الأمور الـ3 المطروحة؟ ما هي الحقيقة العلمية والموضوعية التي يجب إبرازها أمام الرأي العام؟ماذا عن مسألة دخول مصارف جديدة إلى لبنان؟
بشكل أساسي، يجب القول أن الحديث عن دخول مصارف جديدة إلى لبنان ليس بالأمر العادي خلال التدهور الذي يعانيه القطاع المصرفي. لكنه ومع هذا، تقول مصادر مالية لـ”لبنان24″ إن “الكلام عن أن هناك مصارف خارجية تسعى للدخول إلى السوق اللبناني مُبالغ فيه وقد وُضع في غير سياق”، وقالت: “ما تبين هو أن هناك جهات تحاول تأسيس مصارف جديدة في لبنان، في حين أنه ليس دقيقاً ما يُقال عن أن هناك مصارف كبرى أجنبية وعربية تحاول الإنخراط في لبنان عبر مؤسسات أو فروع تابعة لها”.
إلى جانب ذلك، يقول رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في “بنك بيبلوس” نسيب غبريل لـ”لبنان24″ إنّ “الحديث عن دخول أو تأسيس مصارف جديدة لا يمكن أن يكون مطروحاً قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي”، مشيراً إلى أنه “من المرفوض تماماً إنشاء مؤسسات مصرفيّة على أنقاض المصارف الحالية”، وأضاف: “يظنُّ البعض أن الدخول إلى القطاع المصرفي هو بالأمر السهل. قبل الأزمة، كانت العوائق كبيرة ومعقدة، فكيف اليوم؟ أولاً، لم تُجرَ إعادة هيكلة للقطاع، والدولة متعثرة وتوقفت عن تسديد سندات اليوروبوندز قبل 3 سنوات للدائنين، علماً أن جزءاً كبيراً من حملة هذه السندات هم من المصارف. إضافة إلى ذلك، ليس معروفاً مصير إستثمارات المؤسسات المصرفية في لبنان لدى البنك المركزي، فضلاً عن أنه لا إجماع حتى الآن على توزيع الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية.. فكيف يمكن الحديث عن دخول مصارف جديدة وسط هذا التدهور الكبير؟”.ما قاله غبريل يتقاطعُ مع كلامٍ لرئيس لجنة الإقتصاد النيابية النائب فريد البستاني الذي قال لـ”لبنان24″ إنَّه “لا دخول لأي مصارف جديدة قبل إعادة الهيكلة”، مؤكداً أن الهدف القائم هو الحفاظ على المصارف الموجودة وضمان حقوق المودعين قبل أي شيء، وقال: “هذا الأمر لا تلاعب به، والأساس هو أموال الناس التي نسعى بجهدٍ لحفظها”.
ماذا عن مسألة تأمين سيولة من المصارف بملياري دولار؟
على صعيد هذه النقطة، تُطرح تساؤلات أساسية: من أي ستأتي المصارف بهذه الأموال طالما أن موجوداتها الخارجية لا تتجاوز الـ4 مليار دولار؟ هل لديها سيولة كافية في ظلّ احتجاز الودائع؟ هل المصارف قادرة على تلبية متطلبات المواطنين أصلاً قبل ضخّ الأموال؟ ما هو مصدر الدولارات أصلاً التي حُكِي عنها؟ هل جميع المصارف مستعدة لذلك؟
بالنسبة لغبريل، فإنّ الكلام عن مبلغ الـ2 مليار دولار ليس معروف المصدر ولا الأساس، وقال: “الميزانية المجمعة للمصارف التجارية في أواخر شباط تظهر أنّ لديها 4 مليارات دولار فقط لدى المصارف المراسلة، علماً أن عليها سلسلة من الديون لمؤسسات مالية غير مقيمة تفوق قيمتها الـ4 مليار دولار. إذا، الموجودات الخارجية للمصارف في حالة عجز.. فمن أين ستمول ضخ الـ2 مليار دولار؟”.
ويلفت غبريل أيضاً إلى أنّه يجب النظر في قدرة كل مصرف على دفع المال، مشيراً إلى أنه لا يمكن أبداً الحديث عن “قطاع مصرفي ككل”، بل يجب النظر إلى كل مصرف بشكل منفرد، وأضاف: “الجميع يعلم أنه ليس لدى المصارف سيولة، كما أن عليها التزامات لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية ومؤسسة التمويل الدولية. أمام ذلك، يمكن همّ المصارف في كيفية معالجة مشكلتها مع تسديد تلك الإلتزامات في ظلّ تدهورٍ أصلاً في السيولة والموجودات”.بدوره، يقول البستاني في حديثهِ إنّ “المصرفيين خلال إجتماع مع لجنة الإقتصاد طرحوا أمر الـ2 مليار دولار”، وأضاف: “إذا كانت لديهم القدرة، فلماذا لا؟ هذا الأمر يمكن أن يساعد على تنشيط الإقتصاد.. مع هذا، سنسأل المصارف كيف يمكنكم فعل ذلك وسط الظروف القائمة. الأمور هذه يجب معرفتها تماماً لكي يكون كل شيء واضحاً”.
ماذا عن مسألة التسليفات؟
منذ بدء الأزمة المالية وحتى الآن، يقدّر أن محفظة التسليفات والقروض إنخفضت بـ40 مليار دولار. الرقم هذا كبيرٌ جداً وهائل، لاسيما أنّ المصارف كانت بمثابة ممول أساسيّ للقطاع الخاص والأفراد على حدّ سواء. عند هذه النقطة، يقول غبريل إنّ “المصارف هي أول جهة تطمحُ لأن تستأنف التسليفات، لكن هناك عوائق عديدة أبرزها أنه لا توجد ضمانات حول كيفية تسديد الأموال التي يتم إقراضها للمؤسسات أو الأفراد”، وأضاف: “بشكل أساسي، المصرف يعطي القرض بالدولار، لكن السؤال: هل من شيء يضمن أن يُعيد المقترض المبلغ بالعملة الصعبة كما أخذه؟ ما الذي يضمن ذلك وسط التخبط القائم؟ هناك قروض تم تسديدها وفق دولار الـ1500 ليرة، وبعضها تم دفع جزءٍ منه بالدولار فيما القسم الأكبر كان بالليرة”.
واعتبر غريل إنّ “هناك حاجة لإطار قانوني يحمل التسليفات بالدولار الطازج، وطالما أن هذا الأمر مفقود فإننا سنبقى بعيدين عن أيّ خطوة لإستئناف التسليفات”. وختم بالقول: “المستثمرون يخشون الدخول إلى لبنان بسبب عدم وجود أي عملية إصلاحية للقطاع المصرفي. هناك أزمة ثقة شاملة لا ترتبط فقط بالقطاع بل بالبلد ككل نتيجة سوء الإدارة. اليوم، لن نرى أي جهة تأتي للإستثمار طالما أنّ الإصلاح مفقود على مختلف الأصعدة”.