باسيل في أحضان “حزب الله”
من حيث لا تدرى دفعت الولايات المتحدة الأميركية الوزير السابق جبران باسيل، بصفته رئيس أكبر تيار مسيحي في البرلمان، إلى أحضان “حزب الله”، الذي كان ينتظر هذه العقوبات بفارغ الصبر، وذلك لما فيها من نتائج إيجابية تعود عليه بالفائدة الكبرى، وإن كان في كلام باسيل الأخير بعضًا من تربيح الجميل للحزب، بعدما رفض الإغراءات والتهديدات الأميركية وفضّل الوقوف إلى جانبه، وذلك منعًا لعزله وللحؤول دون فتنة سنية – شيعية.
قد تكون هذه العقوبات هذه المرّة أشدّ مرارة من سابقاتها، لأنها طاولت رئيس أكبر تكتل نيابي مسيحي من جهة، وصهر رئيس الجمهورية من جهة ثانية، وهما سببان كافيان بالنسبة إلى باسيل لكي يستثمرهما في المعادلة اللبنانية الداخلية، وهو المعروف عنه أنه يستطيع أن يخلق من الضعف قوة، وقد نجح في إستثمار هذه العقوبات لتصبّ في مصلحته، مع إدراكه التام بأنه قد وضع بيضه كله في سلة “حزب الله”، الذي تربطه فيه علاقة إستراتيجية لا يمكن أن تتأثر بمغريات من هنا أو بتهديدات من هناك، وهي علاقة، كما يصفها باسيل بنفسه، أقوى من ترددات ومفاعيل أي قرار خارجي.
وهكذا يكون رئيس “التيار الوطني الحر” قد حجز لنفسه مقعدًا متقدّمًا وفي الصفوف الأمامية في ملعب “حزب الله”، أو كما يصفها أحد السياسيين المحايدين، بأن باسيل وتياره قد أصبحا في حضن “حزب الله”، الذي سيردّ على تحيته بأحسن منها، وهو الذي عرف بموقفه هذا أن يضع نفسه بالنسبة إلى الحزب في المقام الذي وضع به نفسه العماد (الرئيس) ميشال عون، يوم وقف إلى جانب المقاومة في حرب تموز، ولم يتخل عنها في الوقت الذي كانت فيه بأمس الحاجة إلى التضامن الداخلي معها، وبالأخص عندما يأتي هذا التضامن من الجانب المسيحي، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى موقع المقاومة والحزب في معاركهما الخارجية، وبالتحديد في وجه الولايات المتحدة الأميركية.
صحيح أن باسيل قد خسر ورقة مهمة من أوراق اللعبة السياسية الخارجية في سباقه نحو الرئاسة اللبنانية في العام 2022، ولكنه بالتأكيد قد ربح حليفًا داخليًا يُحسب له ألف حساب في معادلة التوازنات الداخلية، وهذا ما حصل يوم قرر “حزب الله” السير بالعماد عون كمرشح وحيد في الإنتخابات الماضية، وكان له ما أراد، مع ما توافر له من دعم داخلي تمثّل بتزكيته من قبل كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، الأمر الذي أمنّ نصاب جلسة الإنتخاب، بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي.
قد تكون ظروف العام 2022 غير ما كانت عليه ظروف العام 2016 ، مع تبدّل التحالفات، ولكن ما هو أكيد أن باسيل قد حجز لنفسه مكانة لدى “حزب الله” لم تتوافر من قبل لغيره، سوى للعماد عون، بعد ورقة تفاهم مار مخايل، التي أرست علاقة متينة بين الحزب و”التيار الوطني الحر” ممثلًا بشخص رئيسه آنذاك، على رغم بصمات باسيل في هذه الورقة.