كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
بعد أكثر من عَقد على بداية النزوح السوري إلى لبنان جرّاء الأزمة التي اندلعت في سوريا العام 2011، لا تملك الدولة اللبنانية «الداتا» الكاملة عن النازحين وواقع النزوح على أراضيها، فلا إحصاءات رسمية لكلّ ما يتعلّق بالنازحين السوريين. عدم امتلاك الدولة «داتا» النزوح من أبرز عوامل العشوائية في التعامل مع هذا الملف، وثغرة أساسية في حلّه. ولطالما شكّل موضوع «الداتا» تجاذباً بين الدولة والمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فالدولة تتهمها بعدم تزويدها بـ»الداتا» التي تملكها عن النازحين. وفي الإجتماعين الأخيرين برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الأربعاء الماضي، لبحث ملف النزوح، تقرّر الطلب من مفوضية اللاجئين، وضمن مهلة أقصاها أسبوع، تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالداتا الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كلّ شخص يغادر الاراضي اللبنانية.
وعلى رغم غياب «داتا» رسمية كاملة وشاملة لملف النزوح السوري الى لبنان، يُمكن تبيان مدى حجم ثقل النزوح وتداعياته الخطيرة من أرقام وإحصاءات لأجهزة لبنانية رسمية أو تقارير مؤسسات خاصة مختصة. وإلى استهلاك الطاقة والمياه والبنى التحتية، ساهم النزوح في استنزاف الموارد المالية اللبنانية من خلال سياسة دعم سلعِ ومواد عدة كانت مُعتمدة في لبنان قبل الأزمة التي انفجرت أواخر عام 2019 إضافةً إلى سياسة الدعم التي اعتمدها مصرف لبنان في السنوات الأخيرة.
فاستفاد النازحون أسوةً باللبنانيين من المواد المدعومة طيلة السنوات السابقة، من الخبز الى الدواء والمحروقات. هذا عدا عن عدم مساهمة النازحين أو السوريين الذين دخلوا الى لبنان بطريقة غير شرعية في الاقتصاد الوطني، بحيث لا يدفعون رسوم الدخول الى لبنان والخروج منه ولا أي نوع من الرسوم الأخرى والضرائب ولا سيما منها ضريبة الدخل. هذا فضلاً عن أنّ «الدولارات» التي يتلقّاها النازحون من منظمات وجمعيات عدة لا تمرّ من أقنية الدولة ولا إحصاءات عن استفادة لبنان منها، خصوصاً أنّ عدداً من المختصّين يلاحظون أنّ هذه «الدولارات» تُحوّل الى الداخل السوري ولا تُصرف في لبنان.
عدد النازحين
دأب كثير من المسؤولين اللبنانيين على التأكيد أنّ غالبية النزوح الى لبنان اقتصادي وليس أمنياً. وفي ظلّ تضارب الأرقام بين الجانب اللبناني ومفوضية اللاجئين، خصوصاً أنّ تسجيل النازحين توقّف منذ أيار 2015 بطلب من الحكومة اللبنانية آنذاك، يُحدّد واقع النزوح بالأعداد الآن، كالآتي:
– بحسب التقديرات الرسمية للحكومة اللبنانية، والتي تُعتمد أيضاً كرقم تخطيطي للمنظمات المحليّة والدولية، هناك 1.5 مليون نازح سوري في لبنان.
– هناك مليونان و80 ألف نازح سوري في لبنان، بحسب ما أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، منذ أشهر.
– يبلغ عدد المسجَّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى نهاية آذار الماضي، 805،326 لاجئاً سورياً مسجلاً في لبنان (187,844 عائلة). مع الإشارة الى أنّ المفوضية تواصل إعتماد أعداد اللاجئين المسجَّلين قبل عام 2015.
– يشكّل النازحون 30 في المئة من سكان البلد حيث تصل كثافتهم الى 650 نسمة في الكيلومتر المربّع الواحد. (كلمة لبنان في الدورة السادسة من مؤتمر «مستقبل سوريا والمنطقة»، في العاصمة البلجيكية- بروكسل، العام 2022).
– يتوزّع النازحون على 1000 بلدة من البلدات اللبنانية الـ1,050.
– معظم النازحين في لبنان يتحدّرون أو نزحوا من الأرياف السورية.
خريطة انتشار النازحين المُسجّلين (حتى 31 آذار 2023، بحسب مفوضية اللاجئين)
– البقاع: 38.8 في المئة (312754).
– شمال لبنان: 27.9 في المئة (224541).
– بيروت: 22.2 في المئة (178651).
– جنوب لبنان: 11.1 في المئة (89380).
كلفة النزوح
– بلغت كلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني نحو 46.5 مليار دولار بحسب تقديرات وزارة المال للفترة الممتدّة بين عاميْ 2011 و2018، مقابل دعم دولي لم يتخطَّ الـ8.7 مليارات دولار.
– بحسب دراسة للبنك الدولي للفترة المتدّة بين عامي 2012 – 2014، هناك كلفة مباشرة للنزوح السوري على الدولة اللبنانية بحدود مليار دولار في السنة وتكلفة غير مباشرة تصل الى ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار، أي 4.5 مليارات دولار كمجموع كلفة النزوح السوري السنوية على خزينة الدولة اللبنانية.
العواقب الإقتصادية
كذلك بحسب كلمة لبنان المذكورة في مؤتمر بروكسل، والتي ألقاها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار، يؤدّي النزوح إلى تجفيف إحتياطيات العملات الأجنبية، بحيث أنّ النازحين يستفيدون من الخدمات المدعومة من الدولة، على سبيل المثال:
– مصادر الطاقة كالكهرباء والمحروقات والمياه.
– الخدمات الطبية: الإستشفاء والدواء.
– المواد الغذائية: كالخبز وغيره.
– يُمثّل استهلاك النازحين في الطاقة، إنفاقاً إضافياً للدولة يصل الى مليار دولار أميركي سنوياً.
– في الخبز المدعوم، يمثل أيضاً إنفاقاً إضافياً بحدود ثلاثة مليارات دولار إضافية.
– فقدان اللبنانيين فرص عملٍ كثيرة، إذ إنّ معظم النازحين يمارسون نشاطاً إقتصادياً منافساً وغير شرعيّ، من دون أن يساهموا في دفع الضرائب.
العواقب الأمنية
– تفاقم عدد السرقات والجرائم، فبحسب الإحصاءات الرسمية:
– 85 في المئة من الجرائم يرتكبها نازحون.
– 40 في المئة من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية المختلفة، هم من السوريين.
– عودة صارخة لظاهرة المافيات: المخدرات والتهريب والإتجار بالبشر.
– صعوبة الحفاظ على النظام الاجتماعي، وعدم قدرة الأجهزة الامنية على ضبط الهجرة غير الشرعيّة عبر البحر.
– الجيش أوقف وفق معلومات «نداء الوطن»، 3440 سورياً في 2022 – 2023: عام 2022: 2359 موقوفاً. عام 2023: 1081 موقوفاً.
– مجموع الموقوفين السوريين من كانون الثاني 2022 حتى نيسان 2023: 3440.
– أسباب التوقيف: جرائم: مخدرات، إرهاب، هجرة غير شرعية، دخول خلسة، سرقة، إقامة غير شرعية، حيازة أسلحة، تهريب أشخاص، تهريب بضائع، إضافةً إلى توقيف مطلوبين.
– معظم هؤلاء السوريين أوقفهم الجيش لدخولهم خلسة إلى لبنان، ويبلغ مجموعهم 1742 من أصل 3440 موقوفاً (1140 في عام 2022 و602 في عام 2023).
العواقب الإجتماعية
– التحوّل الديموغرافي للسكّان: كلّما ولد طفلان، أحدهما سوري.
– جنوح الشباب السوريين الذين ينشأون في ظروف اجتماعية واقتصادية وتعليميّة سيئة.
– العمالة غير القانونية للأطفال نتيجة التسرّب المدرسيّ.
– زيادة حالات الزواج المبكر للفتيات ابتداء من سن العاشرة.
– الاتجار بالأطفال والأعضاء.
– استمرار النزاعات بين اللبنانيين والنازحين.
العواقب البيئية
– الطلب المفرط على الموارد الصحية.
– تفاقم أزمة النفايات الصلبة، في ظلّ الكلفة العالية لمعالجتها والتي تبلغ 30 مليون دولار إضافي في السنة.
– مشكلة الصرف الصحي، حيث ينتهي المطاف بالمياه الآسنة اإلى تلويثها المياه الجوفية أو البحر الأبيض المتوسط.
– الضرر الكبير الذي لحق بالبُنى التحتيّة نتيجة زيادة المستخدمين لها.
ولادات النازحين
– حتى نهاية عام 2022 وُثّقت وفق معلومات «نداء الوطن» ولادة 196 ألف سوري في لبنان من عائلاتٍ نازحة، هذا عدا عن الولادات غير المعروفة وولادات السوريين المُقيمين من غير النازحين.
– لم تتخطَّ نسبة تسجيل ولادات النازحين الـ17 في المئة حتى عام 2017، ووصلت هذه النسبة إلى الـ36 في المئة أواخر عام 2022، من أصل الـ196 ألف مولود.
– تسجيل المولود على أنّه نازح لا يعني اكتسابه الهوية السورية التي تتطلّب إجراءات ومعاملات إدارية وصولاً الى التسجيل الرسمي في سجل الأجانب في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات، وبعدها إجراء المعاملات مع الجانب السوري لإتمام إجراءات منحه هوية سورية.
– عدم تسجيل الولادات يُعتبر الأخطر في ملف النزوح، إذ إنّ أي مولود من النازحين لا يُسجّل على أنّه سوري يُعتبر بعد فترة أنّه «مكتوم القيد» ما يُعتبر باباً لـ»التوطين»، فضلاً عن أنّه يُشكّل مخاطر إنسانية عليه إضافةً إلى المخاطر على البلد ديموغرافياً وأمنياً، ويُحرم «مكتوم القيد» من حقه بالعودة الى بلده أو إعادة توطينه في دولة ثالثة.
– بحسب مفوضية اللاجئين كما تؤكد معلومات «نداء الوطن»، إنّ 80 في المئة من الأطفال حديثي الولادة السوريين لديهم شهادة ميلاد من المختار و53 في المئة قد تمّ تسجيل ولاداتهم في دوائر النفوس.
سوريون غير نازحين
بحسب تقارير أجهزة أمنية، دخل نحو 37 ألف سوري الى سوريا خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا إلى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد، بما ينفي عنهم صفة النازح.
العودة الطوعية خجولة
– يبلغ مجموع العائدين إلى سوريا منذ بدء عملية العودة الطوعية، بحسب الأمن العام، 540 ألف سوري.
– بلغ عدد النازحين السوريين العائدين عبر عملية العودة الطوعية الآمنة الأخيرة التي نظّمتها المديرية العامة للأمن العام وفق معلومات «نداء الوطن»، 701 نازح.
– في حين أنّ المديرية مستمرّة في تسجيل الراغبين في العودة عبر مراكز الأمن العام الإقليمية، تسجّل حتى مطلع شباط الماضي 100 نازح فقط.
– لجهة مفوضية اللاجئين وفق معلومات «نداء الوطن»، تحققت في عام 2023 حتى نهاية آذار الماضي، من عودة 3،261 لاجئاً سورياً الى سوريا. ومنذ عام 2016، تحققت المفوضية مما يقارب 83،500 حالة عودة من لبنان إلى سوريا. مع الإشارة الى أنّ الأرقام المبلّغ عنها هي فقط تلك التي تم التحقق منها من قبل المفوضية ولا تعكس العدد الكامل للعائدين.
المساعدات الدولية للنازحين
– تقدّم مفوضية اللاجئين في الوقت الحالي وفق معلومات «نداء الوطن» لعائلات اللاجئين الأكثر ضعفاً مليونين و500 ألف ليرة لبنانية للعائلة الواحدة.
– يقدّم برنامج الأغذية العالمي مليون و100 ألف ليرة لبنانية للفرد في العائلة الواحدة (وبحد أقصى 5 أفراد في العائلة الواحدة).
– كحد أقصى، العائلة المكونة من 5 أفراد أو أكثر قد تحصل على مساعدات نقدية وغذائية بقيمة 8 ملايين ليرة لبنانية شهرياً.
– في الوقت الحالي، يتم تقديم المساعدات النقدية بالليرة اللبنانية، وليس بالدولار الأميركي كما تتناقله وسائل الإعلام على نطاق واسع، وتجرى المناقشات حول الدولرة في المستقبل، بحسب مفوضية اللاجئين.
– دول غربية ومفوضية اللاجئين ومنظمة «اليونيسيف» تدعم تعليم التلامذة السوريين في المدارس اللبنانية.
– مجموع التلاميذ السوريين المسجّلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020-2021، بلغ 321 ألفاً و512 طالباً.
– بحسب إحصاءات، هناك طفل سوري ضمن كلّ ثلاثة أطفال في المدارس اللبنانية.
ويبقى الحجم الفعلي والكامل للمساعدات النقدية والعينية المختلفة التي يتلقاها النازحون عبر مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية وجمعيات غير معروف أو موثّق.