“اللا ممانعة” السعودية.. “منفذ” إلى القصر؟
كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
بكثير من البرغماتية، غير المُستحبة في بعض جوانبها، تخوض باريس الاستحقاق الرئاسي اللبناني. تقيسها بمقاييس، تبدو غير مقبولة من جانب شريحة كبيرة من اللبنانيين، والمسيحيين تحديداً. فترتكز تارة في معادلاتها، على قواعد المقايضة التي قد تفتقد إلى الضمانات الإصلاحية التي يفترض أن تكون ألف باء الإنقاذ… وتلجأ طوراً إلى عدّة الشغل اللبنانية، التي ثبت أنّها صارت بالية، ولم تعد تنفع في زمن الانهيار والانفجار المؤجل، كأن تسعى مثلاً إلى إمرار انتخاب سليمان فرنجية من خرم الموقف السعودي، ليتمّ تثبيته رئيساً، ومن بعدها لكل حادث حديث. أو بالأحرى يعمل بعدها على تأمين ضمانة صمود عهده، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
لا تزال باريس حتى اللحظة، مقتنعة أنّ سليمان فرنجية هو الخيار الوحيد المتاح والممكن له أن يتبوأ سدّة االرئاسة. لا بدائل عملية من شأنها أن تقنع الإدارة الفرنسية أنّ هناك فرصة متوفرة لغيره من الموارنة، طالما أنّ الثنائي الشيعي، وتحديداً «حزب الله» متمسك بترشيح حليفه، رئيس «تيار المردة»، وطالما أنّ المسيحيين لم يتفقوا على مرشح منافس قادر على خلط الأوراق وإرباك الآخرين.
ويقول بعض المطلعين على الموقف الفرنسي، إنّ باريس لم تطفئ محركاتها، لا بل لا تزال تراهن على إحداث خرق في جدار الموقف السعودي، الذي انتقل بنظر هؤلاء من مربّع إقفال الباب أمام فرنجية، إلى مربّع النقاش حول الضمانات التي حملها الأخير إلى باريس. وهذا التطوّر، رأى فيه الفرنسيون أشبه بضوء أخضر للسير بمشروع ترئيس فرنجية قدماً، حتى لو لم يتطور الموقف السعودي من عدم ممانع، إلى مرحّب.
وفق المطلعين على الموقف الفرنسي، يكفي أن لا يرفع السعوديون بطاقتهم الحمراء، لكي يواظبوا على تعزيز حظوظ فرنجية والدفع قدماً باتجاه تحسين وضعه الانتخابي ليكون في قصر بعبدا في أقرب فرصة ممكنة، فيما يعملون بالتوازي على التحضير لمؤتمر دولي يكون أشبه بمؤتمرات سيدر السابقة، والتي انتهت إلى فشل ذريع، مشروطة بإقرار الحكومة الجديدة والبرلمان سلّة الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي. يضيف هؤلاء إنّ الرهان هو على مناخ التهدئة الذي يسود المنطقة والذي قد يجعل لبنان بمنأى عن الصراعات الإقليمية، ما يخفف عن العهد الجديد لهيب التطورات الخارجية… على أن تبقى شراكة السعودية، أو مباركتها مشروطة بحُكمها على أداء العهد الجديد وسلوكه، في استعادة لتجربة سيناريو تقديم سعد الحريري لتفاهمه مع العماد ميشال عون. بهذا المعنى، يعتقد هؤلاء المطلعون أنّ الفرنسيين لم يتخلوا عن مشروع ترئيس فرنجية معوّلين على الكوة التي فتحت في جدار موقف المملكة، التي لا يُراد منها إلّا أن تتطور إلى لا ممانعة، لا أكثر. والأرجح أنّ هذه الكوة هي التي دفعت رئيس «حزب القوات» سمير جعجع إلى رفع سقف موقف الاعتراض عالياً، لخشيته من نفاذ فرنجية إلى القصر، من خلال هذه الكوة، مع العلم أنّ الطابة لا تزال في ملعب القوى المسيحية.
ولكن هذا الخرق، لا يزال بنظر مواكبين للموقف السعودي، غير قابل للصرف في سوق الرئاسة اللبنانية. يقول هؤلاء إنّ مسؤولين سعوديين أبلغوا بعض اللبنانيين انّ هناك سوء تفسير للموقف السعودي من جانب الإدارة الفرنسية، وأنّ رفع الحواجز من أمام مشروع فرنجية لا يعني أبداً أنّه بات على مسافة أمتار من القصر. لا بل انّ السعودية لا تزال عند موقفها المتمسّك بسلّة المواصفات التي سبق وعرضها السفير السعودي وليد البخاري في أكثر من مناسبة. ويفترض أن يكون الأخير في بيروت نهاية الأسبوع ليبدأ جولته الداخلية.
أكثر من ذلك، يضيف هؤلاء إنّ السعوديين لم يلتقطوا وفق المواكبين لموقفهم، أي إشارة من جانب الإيرانيين تفيد بأنّ زمن الرئاسة اللبنانية قد حان، أو أنّ هؤلاء بصدد مفاتحتهم بهذا الملف، وبالتالي إنّ الاستعجال في تسييل الاندفاعة الفرنسية إلى مبادرة متكاملة أو موافقة سعودية قد تؤمن وصول انتخاب فرنجية، فيه بعض المبالغة التي لا تحاكي الوقائع الميدانية. ويعود هؤلاء إلى تجربة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع السعودية، ليحكموا سلفاً على الضمانات التي قُدمت للمملكة، على نحو سلبي. فيقولون إنّ ميقاتي قدّم كلّ ما بوسعه لكي يرفع العوائق الحديدية التي وضعتها السعودية بوجهه، لكنه لم يفلح، ليؤكدوا أنّ جوهر الأزمة، وبالتالي العلاقة الثنائية اللبنانية – السعودية لا يزال في مكان آخر، يصعب على تلك الضمانات أن تعالجها. كما يصعب الرهان على الوقت لتبديل موقف السعودية من لبنان. حتى أنّ بعض المعلومات يفيد أنّ القنوات المفتوحة بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين من «حزب الله» التي جرت من خلال لقاءات استضافها العراق، لم تثمر نتائج ايجابية من شأنها أن تزيل عراقيل اقتناع السعودية بخيار رئيس «تيار المردة»، لتكون شريكة فعلية في طبخة ترئيسه.
ومع ذلك، يؤكد المطلعون أنّ السعودية تحاذر التصرّف بمنطق المعرقل للملف الرئاسي في لبنان، كما تحاذر وضع العصي في دواليب المحاولة الفرنسية الحثيثية لإنجاز الاستحقاق. وقد تنجح باريس في اقناع الرياض بالاكتفاء بعدم ممانعتها لانتخاب فرنجية، لينتقل الشغل إلى الداخل لتأمين النصاب ومن ثم أغلبية الـ65 صوتاً. ولكن من سيضمن مساعدة لبنان في إخراجه من مأزقه اذا كان مشروع إعادة إعمار سوريا الذي يعوّل عليه البعض لدعم لبنان مالياً، لا يزال بعيد التحقيق واذا كانت أوروبا غارقة في حروبها وأزماتها؟