جاء في “الراي” الكويتيّة:
شكّل إعلان الولايات المتحدة والأمم المتحدة المباشرةَ بتطبيق برنامج الدعم المادي النقدي لعناصر قوى الأمن الداخلي الذي يقضي بمنحها 100 دولار أميركي شهرياً ولمدة 6 أشهر عيّنةً موجعة عن الارتدادات العميقة للانهيار المالي على واقع بلدٍ ينْخره الإفلاسُ وباتَ أعجز من توفير الحدّ المقبول من مقوّمات الحياة لأفراد مؤسساته العسكرية والأمنية من دون إسنادٍ خارجي مدجَّج بمفارقاتٍ نافرةٍ ونادرةً عالمياً تقوم على تولّي دولة أخرى والمنظمة الدولية تمويل جزءٍ من رواتب «حماة القانون والسيادة».
وقد أكدت السفارة الأميركية في بيروت في بيان لها أنه «في 18 نيسان ستبدأ السفارة والأمم المتحدة بصرف مبالغ نقدية في إطار برنامج دعم سبل العيش»، موضحة «أن الدفعة الأولى من هذا البرنامج، والتي تبلغ قيمتها 16.5 مليون دولار أميركي، ستوفّر دعماً مالياً موقتاً لعناصر قوى الأمن الداخلي المستحقين بقيمة مئة دولار شهرياً لمدة ستة أشهر»، ولافتة إلى «أن هذا البرنامج يساعد في التخفيف من بعض الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها عناصر قوى الأمن الداخلي الذين يبذلون الجهود الجبارة لخدمة وطنهم وأبنائه والمقيمين على أراضيه، ما يساهم في نهاية المطاف في أمن البلد واستقراره العام».
وشددت على «أن بدء المدفوعات النقدية هو دليل ملموس على التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم الجهود الحاسمة لقوى الأمن الداخلي لبسط سيادة القانون والدفاع عن شعب لبنان»، مؤكدة أنه «سينتفع الجيش اللبناني من هذا البرنامج الذي ترعاه الولايات المتحدة وينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على أن تبدأ المدفوعات الأولية في القريب العاجل».
ويأتي وضْعُ هذا البرنامج على سكةِ التنفيذِ بعد نحو 3 أشهر من الإعلان عنه، فيما لا شيء في بيروت يشي بقرب لجْمِ الانهيارِ الكبيرِ في ظلّ تفاقُم الأزمة الرئاسية بما يمنع شقّ «طريق مختصرة» للخروج من الحفرة السحيقة، ومضيّ السلطة والقوى السياسية في«الحفْر أكثر» عبر مغامراتٍ مالية على طريقة «لحس المبرد» تتكرّس اليوم في مجلس الوزراء بزيادات توصف بـ«أهون الشرور» على رواتب القطاع العام، كما في تبادُل زرْع «الكمائن»، وتقاذُف المسؤولية عن تطيير استحقاق دستوري جديد هو الانتخاباتُ البلدية التي صارت بحُكْم المؤجَّلة بفعل عدم توافر القدرة اللوجستية (حددت جولتها الأولى في 7 أيار).
وساد رصْد أمس، لِما إذا كان «دفن» الانتخابات البلدية رسمياً سيحصل اليوم، عبر صدور قانون التمديد لها (بين 4 أشهر وسنة) في جلسة البرلمان التشريعية أم أن مفاجأةً قد تهبّ في ربع الساعة الأخير وتجعل «التيار الوطني الحر» ينسحب من توفير نصاب الجلسة بعد «حشْره» مسيحياً من خلال الموقف الناري للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومن أحزاب مسيحية معارضة أبرزها «القوات اللبنانية»، التي أكدت أنها ستطعن بمثل هذا القانون، وتالياً هل سيعيد التيار رمي كرةَ المسؤولية عن الإطاحة بـ «بلديات 2023» بوجه الجميع وفي ملعب الحكومة خصوصاً التي تجتمع بعد ظهر اليوم، وأدرجت على جدول أعمالها بند تمويل الانتخابات المحلية في ما بدا محاولةً لـ «نفْض اليد من دم» هذا الاستحقاق الذي وُضع تحت المجهر خارجياً.
وساهمتْ الانتخاباتُ البلدية و«معركة إرجائها»، التي استبطنتْ تواطؤ تحت الطاولة بين الحكومة والبرلمان ومكوّناتهما الرئيسية لتأمين مَخْرجٍ مما بدا «ورطةً انتخابية»لا تحبّذها أحزاب وازنة، في إزاحة الأنظار بعض الشيء عن الاستحقاق الرئاسي الذي يُخشى أن يكون في طريقه إلى «الترحيل» أكثر، في ظلّ غياب دينامياتٍ داخلية قادرة على كَسْر المأزق بقوةِ وقائع غير قابلةِ للنقض«وترتكز على تفاهماتٍ»لا يمكن ردّها «ومن شأنها أن تجرّ القابعين على تلة الانتظار» إلى«ميدان الانتخاب».
وهذا العجز الداخلي يُعزّز الاقتناعَ بأن الفراغَ الرئاسي مرشّح لمزيد من الدوران في حلقة مفرغة ريثما يكتمل «بازل» المتغيرات في المنطقة التي تقف على مشارف نظام إقليمي جديد يتشكّل على وهج تفاهم بكين بين الرياض وطهران والذي سيمرّ بمراحل من«اختبار الثقة»، رغم الدور الذي تحاول «مجموعة الخمس» حول لبنان (تضم واشنطن والرياض وباريس والدوحة والقاهرة) أن تؤديه لـ «تقصيرِ عمر» الشغور وتشظياته المميتة عبر سلّة توافقاتٍ تشمل المساريْن السياسي والمالي.