لبنان

المجازفة بمستقبل لبنان!

كتب رامي الرّيس في “نداء الوطن”: 

حالات الانتحار التي تتزايد في المجتمع اللبناني تبعث على القلق نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى حدود غير مقبولة تلامس الجنون بكل ما للكلمة من معنى رغم أنّ الحلول السياسيّة والاقتصاديّة متوفرة ومتاحة متى توفرت الإرادة السياسيّة لها، ولكنّها غائبة تماماً نتيجة تضارب مصالح الأطراف الداخليّة بما يحول دون إتمام الاستحقاق الرئاسي ويضع البلاد على سكة الخروج من حالة المراوحة.

عمليّاً، ما يجري على الساحة المحليّة راهناً هو بمثابة انتحار سياسي جماعي يوازي بخطورته ارتفاع حالات الانتحار الفرديّة المحزنة والمقلقة خصوصاً أنّ أسباب معظمها مرتبط بتردي الأوضاع المعيشيّة وليس متصلاً بعوامل نفسيّة أو مرضيّة (ولو أنه غير مبرر في جميع الحالات).

أن تقود بعض القوى السياسيّة اللبنانيّة البلد بأكمله نحو الانتحار الجماعي فهو يعكس تماماً انهيار منظومة القيم والأخلاق السياسيّة عند معظم القائمين بالشأن العام في البلاد، ويعكس أيضاً إصرار بعضهم على الدوس على المصلحة الوطنيّة التي تتمثّل أولاً بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة لاعادة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستوريّة والانطلاق تالياً بالخطوات الإصلاحيّة المطلوبة للحد من الانهيار وبدء عمليّة الخروج من هذا النفق المظلم والطويل.

من هنا، فإنّ عدم إكتراث العديد من القوى السياسيّة للواقع المزري الذي يمر به الشعب اللبناني وإصرارها فقط على حساباتها المصلحيّة والفئويّة الخاصة يفترض به أن يُشكل رسالة واضحة لجميع مكونات الشعب اللبناني بأنّ المأزق الذي تعيشه البلاد تتحمّل مسؤوليته بشكل أساسي القوى التي واظبت على التعطيل خلال الأعوام المنصرمة والتي حالت مواقفها الشعبويّة دون إتمام أي عمل إصلاحي يُذكر ما أدّى إلى الانهيار الكبير الذي لم تكتمل فصوله بعد!

نعم، ثمّة مسارات غير منظورة بانتظار اللبنانيين في مجالات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي وبعضها يفوق الخيال في مجال التضخم وارتفاع سعر الدولار وتدني قيمة العملة الوطنيّة بشكل غير مسبوق لا بل خيالي، ما لم تُتخذ الإجراءات الرادعة التي من شأنها وضع حد لما جرى ويجري.

أن يتحوّل الاقتصاد اللبناني نحو الدولرة الشاملة فهذا يعني الانقضاض على ما تبقى من قدرة شرائيّة للطبقات الفقيرة التي صارت تمثّل الغالبيّة الساحقة من المجتمع اللبناني بعد سقوط الطبقة الوسطى بالضربة القاضية بسبب الانهيار وانشطار المجتمع بين ثراء فاحش ينعكس في السيارات الفارهة والمنتجعات المكتظة وبين فقر مدقع عكس نفسه عند شرائح واسعة من اللبنانيين.

لقد فقد لبنان العديد من ميزاته التفاضليّة نتيجة المتغيّرات الهيكليّة التي شهدها داخليّاً كما بسبب تلك التي شهدتها المنطقة العربيّة خلال العقود المنصرمة. ولعله يستطيع إستعادة البعض منها في حال استقرت الأوضاع نتيجة المبادرة الفرديّة الشجاعة لأبنائه وليس نتيجة السياسات البالية لبعض مسؤوليه، ولكن هذا لا يلغي التحدي الكبير الذي يتمثّل في إعادة بناء الطبقة الوسطى التي تشكّل صمام الأمان الإجتماعي الأكبر في المجتمعات. تجمع معظم الدراسات السوسيولوجيّة على المفاعيل السلبيّة لتلاشي الطبقة الوسطى خصوصاً في المجتمعات المركبة بحيث يصبح الانشطار في المجتمع عموديّاً وقاسياً ويؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات الجريمة والسرقة وهو ما يدمر الأمن الاجتماعي ويُسقط بشكل تدريجي سلّم القيم والمبادئ التي يُفترض أن تكون ركيزة أي مجتمع. ينتظر لبنان الكثير من الأيّام القاسية، خصوصاً أنّه ليس هناك في الأفق ما يشي بتغيّر قريب في سلوكيّات القوى القابضة على السلطة والقرار السياسي في البلد، ما يعني عمليّاً المزيد من الانهيارات! إنها مجازفة خطيرة وغير محسوبة بمستقبل الوطن!

Related Articles