وللطوابع “حيتانها”: “الميّة بألف”!
كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
يتسابق المواطنون مع القرارات التي تسطّرها الدولة ومؤسّساتها في سبيل تطويق الأزمة والإنهيار الحاصلين، ظنّاً منهم أنّها قد تخفّف عنهم الأموال والمشقّة التي يتكبّدونها، إلا أنّها تبقى من دون مفاعيل على الأرض ويبقى الناس رهينة التجّار والسوق السوداء.
لم تنته أزمة الطوابع في بعلبك – الهرمل التي حلّت على أهلها منذ سنة حتى اليوم، بل زادت مع اهتراء مؤسّسات الدولة أكثر وأكثر، ورتّبت أعباءً إضافية على الناس، بعدما فعلت فيهم الأزمة الإقتصادية فعلها، وبات إخراج قيد إفرادي يكلّف المواطن أضعافاً مضاعفة، فضلاً عن تكبّد تكاليف النقل وطول الإنتظار، ومع ضرورة الحاجة إلى إنجازه مهما كانت التكلفة، كون الجهة التي طلبت المعاملة لا تستطيع الإنتظار، يضطرّ المواطن للرضوخ إلى ابتزاز السوق السوداء وتحكّمها بالدولار والطوابع وغيرها من الحاجات اليومية، والتي تعتبر من الأمور البديهية الواجب تأمينها في بلد لم يبقَ فيها شيء يصبّ في مصلحة المواطن ويخدم حالته التي تتردّى يوماً بعد يوم.
أكثر من مليون ليرة لبنانية تكلّفها أحد المواطنين ليتمكّن من استصدار إخراجي قيد إفراديين لولديه تحتاجهما المدرسة، ليتم تقديمهما إلى وزارة التربية كون الولدين سيتقدّمان للإمتحانات الرسمية، ورغم أنّ إجراءها في مهبّ الإضرابات والتعطيل، لكن الأب قام بما يتوجّب عليه، بانتظار أن تتبلور الصورة وتتّضح معالم المرحلة المقبلة.
ويقول لـ»نداء الوطن»: «إنّ إخراج القيد الإفرادي وبعد رفع الرسوم الجديدة بات يكلّف 22 طابعاً من فئة الألف إضافةً إلى 5 طوابع مختار، إثنان من الأولى يوضعان على الوثيقة بعد صدورها، والباقي يذهب إلى خزينة الدولة تحت مسمّى الضرائب»، وأوضح أنّه سعى لتأمين طوابع من فئة الألف من دون أن يتمكّن من ذلك، حيث بلغ سعر الطابع مئة ألف ليرة، وفي حسبةٍ بسيطة فإنّ تكلفة إخراج القيد الواحد هي مليونان ونصف مليون ليرة لبنانية إذا اشترى طوابع من فئة الألف ليرة، وكونه مضطرّاً، وبعد ضغط المدرسة الخاصة عليه لاستصدارهما، إشترى أربعة طوابع منها بقيمة أربعمئة ألف ليرة لبنانية، والباقي أمنّه من فئة الخمسة والعشرة آلاف. إلى جانب الكلفة العالية عليه مواجهة واقع أنّ دائرة النفوس تفتح في أيامٍ محدّدة تماشياً مع إضراب الموظّفين في القطاع العام، ولا بدّ له من أن يدفع إكرامية كي يتمكّن من الحصول على إخراجي القيد في اليوم نفسه.
كذلك، وصل الحال بمواطنٍ آخر إلى العرض على صاحب رخصةٍ لبيع الطوابع، مبلغ 700 ألف ليرة ثمن طابع كي يتمكّن من استصدار سجلّ عدلي له، ويحتاجه في اليوم نفسه. وأشار صاحب الرخصة إلى أنّ تأمين هذه الطوابع لم يعد ممكناً منذ مدّة بعيدة، وقد دخلت السوق السوداء على الخطّ، وأصبحت للطوابع «حيتانٌ» أيضاً، يحتكرونها لرفع سعرها، ويحصلون على أغلب العدد الذي توزّعه وزارة المالية.
بدوره، يشكو أحد المخاتير في بعلبك من فقدان الطوابع ورفع أسعارها، ويؤكّد لـ»نداء الوطن» أنّ أزمةً حقيقية تواجههم في تأمين الطوابع اللازمة لتسيير أمور المواطنين، خصوصاً وأنّ إقبالاً يشهده المخاتير على بعض الوثائق والمعاملات، وكلّها تحتاج الى طوابع، لكنّ المصيبة الكبرى تكمن في إخراجات القيد الفردية والعائلية التي تحتاج إلى طوابع كثيرة ومبالغ كبيرة، ويرضخ البعض للإبتزاز الذي يمارسه محتكرو الطوابع، مشيراً إلى أنّ التعميم الذي صدر عن وزارة المالية والمتعلّق بتعبئة نموذج يدفع بموجبه ثمن الطابع ويقدّمه للإدارة المختصة لم ينجح هنا، ولا يزال دونه عقبات، والأزمة على حالها، مطالباً برفع حصّة المنطقة من الطوابع الأميرية، وتسليمها إلى المخاتير مباشرةً ليتمكّنوا من تسيير أمور الناس وعدم اللجوء الى السوق السوداء.