“أرقام بكركي” لن تُرمى في سوق الأحجام… والرسائل الرئاسية
كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:
فيما نشأت دول المنطقة على معايير القوّة العددية أو الأيديولوجية أو العسكرية أو الدينيّة، تفرّد لبنان بفعل تكوينه الطائفيّ المتنوّع بالشراكة الكاملة في إدارة الوطن بغض النظر عن العدد والحجم. وارتكز الوجود المسيحي فيه على دورهم الريادي والتاريخي في الحفاظ على ثلاثيتهم الذهبية: الحرية، الكيان. التعددية. خارج هذه المُهمّة لا مكان لهم إلا في حواشي التاريخ. وأتت اختبارات اللبنانيين في تآلفهم ومعاناتهم المشتركة كما في نزاعاتهم وصداماتهم، لتفرض عليهم معادلة العيش معاً من خلال المناصفة التي كرّسوها في الدستور. رغم ذلك، يطلّ عليهم بين الحين والآخر «السيف الديموغرافي» ليضعهم بين حدّ التلميح إلى فقدان وزنهم السياسي من جهّة، وحدّ الدعوة إلى قيامة طارئة قبل البكاء وصريف الأسنان من جهة أخرى. هل تؤثّر أعدادهم المتداولة واقعية كانت أم تهويليّة على دورهم؟ أي رسائل تحملها «أرقام» رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وما خلفياتها؟
تعليقاً على كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي أشار في مقابلة تلفزيونية إلى تقرير يتحدّث عن نسبة المسيحيين في لبنان والتي تبلغ 19%، دعا مصدر كنسيّ إلى الإبتعاد عن التهويل على المسيحيين، «فوجودنا لا تحدّده الأرقام ولا ما يرسمه لنا الآخرون. لسنا قاصرين ولا عاجزين». وأسف أن «يتحوّل الرئيس ميقاتي إلى صندوق بريد لدى «الثنائي الشيعيّ» الذي أراد توجيه رسالة إلى المرجعيات المسيحية ومنها رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل في الملفّ الرئاسي».
وكشف المصدر أن ميقاتي «يسعى إلى تسويق رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية خلال زيارته المرتقبة إلى الفاتيكان ولقاء قداسة البابا فرنسيس». واعتبر أنه «لا يجوز اللعب على وتر الأعداد والأحجام من أجل معارك سياسية. كلّنا أقليّات في لبنان». وسأل: «ألا يُشكّل الرئيس ميقاتي أقليّة سياسيّة في مدينته الرازحة تحت إهمال الدولة والوزارات المتعاقبة التي ترأسها أكثر من مرّة؟». كما دعا الذين يريدون توجيه الرسائل إلى بكركي أن يفعلوها مباشرة، «لا أن يتلطّوا خلف غيرهم».
وعن أرقام ونسب المسيحيين، أكّد المصدر أن» بكركي تمتلك المعطيات كافة، كما أنها ليست مضطرّة لنشر أرقامها في سوق المزايدات ولعبة الأحجام. لن يجرّها أحد إلى هذا الملعب». وجزم المصدر الكنسي «لن نتراجع عن دورنا في صون العيش المشترك والدستور والحفاظ على هوية لبنان وسيادته وكرامة الإنسان مهما كانت أعدادنا أو أعداد غيرنا».
بالعودة إلى الأرقام وما تتداوله بعض الإحصاءات والتقارير المجهولة، لفت مؤسّس «لابورا» الأب طوني خضرا إلى أن المسيحيين يشكّلون حسب دراسته، حوالى 38,4%. ووفق اللوائح الإنتخابية 34,48%، إذ اقترع منهم 1،367،976. واستناداً إلى عدد سكان لبنان، يكون عدد المسيحيين حسب لوائح الشطب 2،367،976. أما في المقلب الاسلامي، فيشكّل عدد المسلمين الناخبين 65،41% وعددهم حسب لوائح الشطب 3،470،000. أضاف: أن الشيعة يشكّلون 27،60% والسنّة 27،90%. والطوائف المسيحية 38،4%. وأشار إلى أنّ الزيادة التي حصلت في لوائح الشطب، رفعت عدد الناخبين في انتخابات 2022 إلى 221 ألف و24 ناخباً. ثلثهم من المسيحيين. وتوزّعت أرقام الطوائف على الشكل التالي: السنّة 29،66%. الشيعة 29،13%. المسيحيون 34،48%. الدروز والمذاهب الأخرى 6،37%.
أحلام وأوهام
من جهته، يرى أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية والباحث في تاريخ لبنان السياسي الأب د. باسم الراعي، أنّ «بعض المسؤولين والأطراف السياسية في لبنان، تراودهم في ظلّ الأزمات السياسية التي يشهدها لبنان، «أحلام وأوهام» مبنية على قضية الحجم من أجل تغيير واقع ما، لم يعد يناسبهم». ولفت إلى أنّ «موضوع العدد قد حُسم في لبنان، ليس منذ الطائف فحسب، بل يعود إلى نظام متصرفية جبل لبنان (1860). إذ تشكّل «مجلس الإدارة» آنذاك من 12 عضواً توزّعوا بالتساوي بين الطوائف الست. وتمثّلت كل مجموعة بمندوبين، بغضّ النظر عن حجمها وعددها، مع العلم أنّ الموارنة شكّلوا في ذلك الوقت أكثرية الأكثريات، غير أنهم قد تمثّلوا بعضوين أسوة بباقي الطوائف».
واعتبر أنّ «طرح المسائل من منطلق أكثرية وأقلية، هو خطاب أيديولوجي وهمي، تحرّكه شهوة الصلاحيات ولعبة النفوذ، خصوصاً في ظلّ الفراغ الرئاسي. إذ تُفتح شهيات البعض لتحسين شروطهم السياسية ومحاولات إطباقهم على البلد خدمة لأهدافهم ومشاريعهم الغريبة عن الجمهورية اللبنانية». في المقابل، يشدّد الراعي على أنّ «الخطر الحقيقي على الوجود المسيحي هو من المسيحيين أنفسهم، نظراً لتشتتهم وانقسامهم وانسحابهم من لعب دورهم المطلوب منهم. والأخطر غياب المشروع لديهم».
وعن تطمينات بعض المسؤولين والقوى السياسية وحرصهم على الوجود المسيحي، يرفض الراعي هذا المنطق. ويعتبره نوعاً من الذميّة، مؤكّداً أنّ «من يحمي المسلمين والمسيحيين وأي مواطن مهما كان انتماؤه السياسي أو الثقافي، هي الدولة فقط، وليس منّة من أحد. ومن يزعم أنه يدافع عنهم، إنما هو يتلطّى خلف هذا القناع خدمة لمشاريعه الأيدلوجية والعقائدية».
في الخلاصة، أكانت أعداد المسيحيين منخفضة أم مرتفعة، يبقى الرهان على تمسّكهم بمشروع الدولة، والإبتعاد عن المغامرات المناهضة لتاريخهم. فماذا ينفعهم إن ربحوا نفوذاً سياسيّاً وخسروا مبرّر وجودهم.