وصلا أنطاكيا قبل 3 ساعات من الزلزال!
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
تحبس عائلة حبقوق ومعها أبناء سيدة المنطرة – مغدوشة، وكلّ مدن وقرى الجنوب أنفاسها بانتظار معرفة مصير إبنها باسل حبقوق الذي فقد أثره وانقطعت أخباره مع رفيقه الياس حداد في مدينة أنطاكيا التركية، بعد وقوع الزلزال المدمّر الذي ضربها فجر الإثنين وأودى بحياة آلاف القتلى والجرحى وبينهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون ومن جنسيات مختلفة. ومأساة عائلة حبقوق مزدوجة، وتختصر في فصولها وتفاصيلها معاناة اللبنانيين مع الأزمات المعيشية والاقتصادية التي يترنّحون تحت وطأتها، وقد دفعت ابنها باسل إلى السفر إلى انطاكيا سعياً وراء لقمة العيش الكريم، فيما الحظّ العاثر لاحقه من لبنان إلى تركيا، اذ وصل قبل نحو أربع ساعات من وقوع الزلزال ونزل مع حداد في فندق «OZCHIAN» في أنطاكيا (هاتاي). ويروي شقيقه فادي حبقوق مأساة العائلة، ويقول لـ»نداء الوطن»: «سافر شقيقي باسل ليلة الأحد ووصل قبيل منتصف الليل، أي قبل نحو ثلاث ساعات من وقوع الزلزال (الساعة الثالثة وعشرين دقيقة فجراً)، وسارعنا إلى الاتصال به من دون جدوى، إذ انقطعت أخباره والتواصل معه منذ ذلك الحين». لم تيأس العائلة من العثور عليه حيّاً، يقول فادي بحرقة لا تخلو من ألم، «لقد اتصلنا بكثير من الأصدقاء والمعارف من أجل معرفة مصيره، أو الحصول على أي معلومة عنه، قبل أن نتواصل مع وزارة الخارجية والسفير اللبناني في تركيا وأبلغناهم بما جرى».
ولم يخف فادي أنّ السلطات اللبنانية اهتمّت بالقضية «لقد أوفدت مندوباً إلى المكان، ولكن للأسف تبيّن أنّ الفندق الذي يقيم فيه قد تهدّم، بات الطابق الثالث على مستوى الأرض، ولكنّنا لم نفقد الأمل، اذ تجري عمليات رفع الأنقاض في المكان واستطاعت فرق الإسعاف انتشال أحياء، ولم يبق إلا بضع أشخاص بينهم باسل ورفيقه الياس وندعو الله أن نتبلّغ خبر نجاتهما».
وحبقوق أبن بلدة مغدوشة، في العقد الرابع من العمر، متزوّج من منى وهي ممرّضة في مدرسة الراهبات عبرا، ولهما ولدان، ويعمل كمرشد سياحي ويقود حافلة وتنقل السيّاح أيضاً، لكنّ الضائقة المعيشية وتراجع عدد السياح، دفعاه إلى السفر بحثاً عن لقمة العيش حيث وقع الزلزال. في البلدة، يعبّر أبناء مغدوشة بشيبها وشبانها، بكبيرهم وصغيرهم، عن التفافهم حول العائلة وتضامنهم معها، رئيس البلدية رئيف جورج يونان أولى القضية جلّ اهتمامه، وأجرى مروحة اتصالات مع أصدقائه وخصوصاً في تركيا، وقال جوزيف الحايك «نصلّي لله من أجل نجاته». بينما وصف رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى (وهو ابن مغدوشة ويقيم فيها) ما جرى بالكارثة الانسانية التي طالت شظاياها لبنان من شماله إلى جنوبه، وقال لـ»نداء الوطن»: «نتواصل مع كلّ المرجعيات والمسؤولين لكشف مصير باسل وكلّ المفقودين اللبنانيين، أجرينا اتصالات برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزارة الخارجية والسفير اللبناني في تركيا، ونأمل أن نسمع خبراً سعيداً لأنّ فرق الإنقاذ تقوم بعملياتها في الفندق رغم كل الصعوبات الطبيعية واللوجستية لجهة الحاجة الى معدّات دقيقة، لقد تمّ انتشال أحياء من الفندق ونتواصل لمعرفة كلّ جديد».
«في كلّ عرس لنا قرص»، مثل شعبي يتردّد على كل شفة ولسان في صيدا والجنوب، من الطائرات المنكوبة الى ضحايا الاغتراب موتاً بحوادث السير أو السرقة، إلى الاضطرابات التي تحصل في بعض الدول وتذهب بكلّ جنى وأرزاق اللبنانيين، تروى حكايات حزينة رغم كل النجاح، عن الإغتراب وعن لقمة العيش المغمّسة بالعرق والدموع والدماء أحياناً.
وارتداد الزلزال لم يقتصر على مغدوشة، بل امتدّ إلى المناطق كافة، وسط تضامن لافت، بدأ اللبنانيون يستفيقون من هول الصدمة ويستوعبونها، والجمعيات الطبّية والاسعافية والأهلية أعلنت الاستنفار العام وجهوزيتها لمواكبة أي طارئ من جهة، وارسال فرقها قدر المستطاع والامكانيات للإنقاذ والمساعدة من جهة أخرى. ولم يتأخّر «تجمع المؤسسات الأهلية» في منطقة صيدا في إبداء استعداد الجمعيات المنضوية في صفوفه للوقوف إلى جانب فريق المستجيب الأول في سوريا وتركيا، والقيام بأي دور يمكن القيام به للمساعدة في رفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن انقاذه، وبالسرعة الممكنة.
وقال أمين سرّه ماجد حمتو: «نحن على استعداد لذلك، لقد قمنا سابقاً بهذا الدور عند انفجار بيروت عام 2020، اليوم على استعداد لتكرار هذا الدور دفاعاً عن أهلنا، نحن جاهزون لمواجهة أي طارئ قد يصيب صيدا والجنوب وفي أي منطقة من مناطق لبنان». وتداعت الجمعيات الطبية والاسعافية الى اجتماع طارئ وقرّرت اللجنة الاسعافية في صيدا إرسال 5 سيارات إسعاف و25 مسعفاً، فيما انطلق فريق من الجمعية الطبّية الاسلامية للمشاركة في مهام الاسعاف والانقاذ في تركيا.
وتحدّث الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات «الواتساب»، عن مقتل 7 لبنانيين في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، فيما لا يزال أكثر من 30 لبنانياً في عداد المفقودين، وتقول الحاجة الصيداوية لطفية: «كل يوم تحترق قلوبنا، وتدمع عيوننا، من مأساة الى كارثة، حمى الله لبنان واللبنانيين من كل المحن والزلازل والهزّات وسمّات البدن».