“حمّام دم في الشارع”
كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
بئس حقيقة مرجوة في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
لا خيار آخر للبنانيين سوى التسليم بلعنِ هذه الحقيقة المغرضة، لأنّ هناك من يعمل بمهارة وحرفية على إعدام مجرد الحلم بكشف ما حصل في الرابع من آب 2020، وذلك لفرط الحرص عليهم وتجنيبهم «حمام دم في الشارع» سيغرقهم إذا استمر المحقق العدلي طارق البيطار في مهمته. وليست المرة الأولى التي يتبرع فيها مجرمو المنظومة بإفهام اللبنانيين وباللحم الحي أنّ أي حقيقة، أو أي مساءلة، أو محاسبة، أو احتجاج، أو انتفاضة سوف تقود إلى الفتنة و»حمامات الدم». فهذه الحال هي السائدة منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك وفق التوجيهات الرعوية للحاكم بأمر محور الممانعة.
وهي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي لا يتورّع فيها مهندسو المنظومة عن تشييد عمارة الفوضى والرعب، سعياً إلى تشتيت العدالة وتحويرها وإغراقها بأكاذيب يتم ترويجها على أنّها حقائق، وللأسف تجد من يصدّقها، فيضيع محور القضية ويستوجب البحث عنها «حمّام دم في الشارع».
ويكفي متابعة نشاط فرقة الصدم الجاهزة للانقضاض على القاضي طارق البيطار لدى صدور أمر العمليات إليها، بتصريحات «Déjà-vu»، منذ الجريمة الأساس عام 2005، للاستنتاج أنّ النسخ المكررة والمنقّحة لا تزال صالحة للتسويق والترويج، وهناك من يطوِّرها لتلبي متطلبات مرحلة كل جريمة وظروفها.
وغالباً ما تتقاطع مصالح الداخل والخارج في ترسيم الخطوط التفصيلية للسيناريوات اللازمة، ولا يخجل أصحاب المصالح المتقاطعة بتعاونهم المكشوف بغية طمس الحقيقة وفق صفقات تتضمن حماية المجرمين المرتكبين بين الداخل والخارج. ولشدّة وقاحتهم لا يبالون. ولمَ المبالاة ما دامت نتائج جهودهم تُؤتي الثمار المرجوة منها. فهذا التحقيق سيدخل إلى سراديب التشويه والتسطيح والنسيان، حيث دخلت التحقيقات السابقة.
بالتالي ليس مهماً ما إذا كان القاضي طارق البيطار أخطأ أو أصاب. المهم اتهامه بأنّه مسيسٌ وعميل للشيطان الأكبر، أي للشيطان ذاته المباركة وساطته في إنجاز ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. وبالمناسبة، هذا العدو لا يمكن اتهامه بجريمة التفجير، لما لهذا الاتهام من تبعات على الحاكم بأمر المحور، وفي الوقت ذاته على حماة إسرائيل الدوليين.
كما أنّ القاضي الملعون، ومن خلال رعونته، يسمح للشيطان ذاته، وبتسهيل من فرقة الصدم إياها، بأن ينال حصّته من صفقة الإطاحة بالتحقيق في الجريمة، وبالقضاء من أساسه، مع غض نظر من جانب الأجهزة الأمنية في مطار بيروت عن سفر رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت محمد زياد العوف، والذي يحمل الجنسية الأميركية، إلى الولايات المتحدة، مع أنّه أحد الموقوفين المخلى سبيلهم، وعلى الرغم من اقتران قرار إطلاق سراحه بقرار منع السفر. والحجة أنّ القرار المذكور يحتاج ساعات لتعميمه، في حين أنّ عوف غادر من السجن إلى الطائرة وكأنّ كّل شيء كان مرتباً لهذه الغاية.
لكن لا لزوم للغوص في تفاصيل ثانوية هي من اختصاص أطراف الصفقة، فالمطلوب حصل هذه المرة أيضاً. وأيضا سيضيع هباءً صدى الاحتجاج والغضب والتظاهر. فليلتفت اللبنانيون إلى ما هو أهم من تفجير المرفأ، وليتركوا أهالي الضحايا حتى يتعبوا من المطالبة العقيمة فيجنّوا أو يموتوا كمداً. الأولويات لا تتعلق بهذه الحقيقة المنشودة، وانمّا بالاندفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وما يستتبعه، بحيث يصبح التنقل بالسيارة للوصول إلى ساحات الاحتجاج نكبة مالية لعامة الشعب.
ولمَ الاحتجاج والغضب؟ لا يحتاج اللبنانيون مزيداً من «الدم في الشوارع»! المطلوب هو التسليم بأنّ العدالة رجس من عمل الشيطان… وعلى العقلاء أن يتجنبوها!