إرتفاع الدولار يُلغي مفاعيل “ترقيعات” الموازنة
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
لا يلبث «جمر» المشاكل الإقتصادية البنيوية المغطّى بقشرة رماد موازنة 2022، أن يتوهّج مع كلّ هبّة ارتفاع في سعر صرف الدولار. فمصائب الموازنة الأخيرة المقرّة في أيلول الماضي، لم تقف عند حدود نهاية كانون الأول من العام الماضي، كما تقتضي الأصول الدستورية. إنما قد تجرجر إلى نهاية هذا العام، مع التأخر بإنجاز موازنة 2023 وعدم تحويلها إلى البرلمان في بدء عقده الثاني في تشرين الأول 2022.
التأخّر بإقرار موازنة 2022 نحو 10 أشهر، ألزم النواب بالموافقة على مضاعفة رواتب القطاع العام. إذ إنه بين كانون الثاني وأيلول 2022، ارتفع سعر صرف الدولار من حدود 20 ألف ليرة إلى 40 ألفاً، أي بمقدار الضعف. وما كان يصحّ في بداية العام من زيادة معقولة لا تزيد الكتلة النقدية بالليرة كثيراً، ويمكن تأمينها من إيرادات الدولة أصبح مستحيلاً في نهاية العام. ومع وصول كتلة الرواتب والأجور إلى حوالى 3.3 ترليونات ليرة شهرياً، بالتزامن مع انعدام الثقة وتغييب الإصلاحات، زاد الطلب على الدولار ودخلنا في دوّامة تعميق انهيار الليرة وفقدان الأجور قدرتها الشرائية. الأمر الذي دفع إلى توقّف موظفي الإدارة العامة والأساتذة والمعلّمين وعمّال المصالح المستقلة والمياومين عن العمل من جديد، مطالبين بزيادة رواتبهم.
هذه الدوّامة «لا يمكن الخروج منها، بتجريب المجرّب من زيادات إضافية على الرواتب وفرض ضرائب عشوائية»، بحسب الخبيرة المتخصّصة في الإقتصاد النقدي د. ليال منصور. فـ»بمجرّد إعطاء زيادة على الرواتب والأجور لا يعود بالإمكان استردادها، لأنها سرعان ما تدخل في صلب التخطيط المستقبلي للمستهلكين. لكن في المقابل فإن هذه الزيادات دائماً ما تكون وهمية، في ظل التضخّم التصاعديّ، مهما بلغت قيمتها. فهي تعطي شعوراً زائفاً لفترة وجيزة بتحسين القدرة الشرائية، لا يلبث أن يتدهور نتيجة استمرار تدنّي صرف العملة الوطنية مقابل الدولار أو سواه من العملات القوية. ولأنّ القدرة على فرض الضرائب عادة ما تكون محدودة، ومشكوكاً بنتائجها في ظل الإنكماش التضخّمي، تلجأ الدولة مجدداً إلى زيادة الرواتب بالعملة الوطنية لامتصاص النقمة الشعبية وإعادة تحريك العجلة الإقتصادية. ومع كل زيادة في الرواتب والأجور، تنهار قيمة العملة الوطنية أكثر ويصبح شراء سلعة بقيمة دولارات معدودة يتطلّب حمل رزم من الليرات. فيزيد طبع العملة ويتعايش الإقتصاد مع الإنهيار والعجز عن تصحيح الخلل النقدي والمالي.
خلافاً للدول الأوروبية والأميركية التي لجمت التضخّم المحتّم بعد انتشار جائحة كورونا من خلال امتصاص فائض السيولة بالضرائب الموجّهة، تعمّدت السياسة المالية في لبنان تحميل الفئات الأضعف أكلاف التضخّم المفتعل وتحييد أصحاب الرساميل. فالولايات المتحدة الأميركية، معقل الرأسمالية، زادت الضرائب على الشركات العابرة للقارات ذات الرساميل الكبيرة، في قطاع الإلكترونيات بحجّة استفادتها من الجائحة بشكل كبير»، تقول منصور. فيما حمّلت وزارة المال كل المواطنين الرسم الجمركي الفوضوي على أساس 15 ألف ليرة للدولار، وألغت الضريبة على الشقق والعقارات الشاغرة. مع العلم أن هذا المطلب كان من ضمن حزمة الإصلاح الضريبي المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
رغم المتغيّرات الكبيرة التي تواجه الإقتصاد يبقى ثابتان اثنان:
– «عندما تعطي الدولة مالاً بيد، ستعمد إلى أخذه في اليد الأخرى»، كما تعتبر منصور. وفي الحالة اللبنانية ستأخذه بالتضخّم وليس بالضرائب الموجّهة والسياسات المالية والنقدية الواضحة.
– استحالة إجراء أي إصلاح بديهي، على غرار فرض ضريبة على الشقق الفارغة، قبل توحيد سعر الصرف.
في النتيجة سيستمرّ الكرّ والفرّ بين زيادة الرواتب بالليرة اللبنانية من جهة، وبين الإضرابات من الجهة الأخرى. وهذه المعركة المفتوحة دائماً على زيادة الرواتب وبدل النقل والتقديمات، يدفع ثمنها الاقتصاد مزيداً من الإنكماش التضخّمي.