منطقة مُهدّدة بأوبئة فتاكة
كتب مايز عبيد في “المدن”:
أقفل العام 2022 على مشاكل وأزمات كبيرة ترزح تحتها عكار.. لا تبدأ من النفايات التي اكتسحت كل شارع وساحة، وباتت مأزقًا بكل ما للكلمة من معنى، ولا تنتهي بهجرة المزارعين للعديد من المواسم والزراعات، لأنها أكلافها صارت فوق احتمالهم.
في مطلع الـ2023 بدا واضحًا أن النفايات هي أزمة الأزمات. لم يعد هناك شارعٌ في قرية أو بلدة، ولا طريق عام أو فرعي إلا وامتلأ بالنفايات حتى فاض، وشكّلت النفايات ما يشبه السلاسل الممتدة من قرية إلى أخرى. ولا تبدو أي مؤشرات للحلول موجودة. ولفتت مؤخرًا صرخات أطباء المنطقة محذّرة من أن يؤدي انتشار الحشرات والأوساخ إلى أمراض وأوبئة أكثر فتكًا من الكوليرا.. وقد تصل الأمور حتى الطاعون. وأمام عجز كلي للبلديات عن إيجاد المعالجة، يقول رئيس بلدية “ببنين – العبدة” وهو الطبيب كفاح الكسّار، في حديثٍ لـ”المدن” وقد دقّ ناقوس الخطر حيال أزمة النفايات المتفاقمة: “إن الأمور بحاجة إلى تعاون من البلديات والمواطن والمسؤول على حد سواء، وبشكل عاجل ومن دون أي تأخير لكي نصل إلى معالجات تقينا من شرٍّ لا نطيقه”.
وأضاف: “لقد عانينا في بلدتي ببنين من الكوليرا للأسباب التي باتت معروفة للجميع، أخشى أن تؤدي النفايات المنشترة في كل مكان إلى أوبئة وأمراض ما هو أشد فتكًا من الكوليرا”.
ويشير إلى اجتماعه مع كل من وزيريّ الداخلية والبلديات والبيئة في حكومة تصريف الأعمال، برفقة النائب سجيع عطية، بهدف إيجاد الحلول ولكي يتحمّل كل مسؤول مسؤولياته، كما أن على المواطن أن يحمل معنا جزءًا من المسؤولية، وكذلك الشركة المتعهدة جمع النفايات أيضًا.. الوضع خطير وعلى الجميع أن يشارك بصنع الحل قبل أن تقع الكارثة على الكل”.
وللزراعة والمزارعين في عكّار نصيبهم من المصاعب التي تلاحقهم من سنة إلى أخرى. بسبب الوضع الراهن وارتفاع الأكلاف وتحليق الدولار، اضطر مزارعون في سهل عكّار إلى هجران زراعة البطاطا، التي لطالما كانت شريانًا أساسيًا يضخ الحياة في جسم القطاع الزراعي العكاري. يشرح المزارع أحمد خشفة من سهل عكّار لـ”المدن” أوضاعهم ويقول: “ليست هذه أفضل أيامنا بالتأكيد. كل سنة هناك قسم من مزارعي البطاطا يتخلّى عن الزراعة الأكثر شهرة في السهل. كانت مصدر رزق ومردوداً سنوياً للناس، وهي اليوم مصدر للخسائر. لكننا كمزارعين لا نعرف غير الزراعة ولا نحب غير البطاطا، بينما أصبحت كلفة الطن الواحد فوق الألف دولار، ولا يمكن بهكذا ظروف أن يستردّ الطن نصف تكاليفه. فالبطاطا بحاجة إلى ري كثير وإلى أسمدة وغيرها وكلها باتت باهظة الأثمان”.
بعض المزارعين ممن هجروا البطاطا أو حبات الذهب كما كانت تسمى في السابق، تمكّنوا من زرع بعض الأطنان من القمح قليل التكاليف مكان البطاطا باهظة التكاليف، والبعض الآخر ترك الأرض على ما هي عليه على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”.
في القطاع الزراعي تقلّصت مساحات زراعة الفِطر، وانتقلنا من حدود 15 مزرعة للفطر موزّعة في عدة مناطق من عكار، قبل 5 سنوات، إلى حدود مزرعتين متبقّيتين. فأقفل القسم الأكبر من هذه المزارع، بعدما مارسوا زراعة مستحدثة في مناطقهم وكانوا فرحين بإدخالها إلى السوق المحلي وإنباتها في مزارعهم، لولا أن أزمة غياب الكهرباء بالكامل قد دفعتهم لاتخاذ القرار الصعب بإنهاء مشاريعهم الصغيرة التي لم يمر على ولادتها إلا سنوات قليلة.
وربطًا بالأزمة السورية، ثمة من يقول بأن لبنان لن يرتاح أو يتعافى اقتصاده طالما الأزمة في سوريا مستمرة. آخر تجليات هذه الأزمة المتشابهة بجانبها المعيشي، ارتفاع إضافي وكبير في أسعار المحروقات المدعومة في الداخل السوري، وانقطاعها كمادة أيضًا، وانعكاسها المتواصل على الواقع اللبناني. ولأن أسعارها في الداخل اللبناني ما زالت أقل، يعمد في الآونة الأخيرة بعض الصبية من سكان القرى العكارية المجاورة للحدود مع سوريا، سواء العريضة أو الدبوسي، إلى شراء بعض الغالونات من البنزين والمازوت وعرضها للبيع على الطريق قبل مركزيّ الحدود بأمتار قليلة.. يبيع الصبية المحروقات للسوريين من سائقي سيارات الأجرة، وبعض الأشخاص الذين يأتون من الداخل لشراء البنزين والمازوت من لبنان، حيث يتم احتساب كل ليتر بنزين بسعر 8 آلاف ليرة سوري، علمًا أن المعلومات تشير إلى أن سعر الليتر الواحد في الداخل السوري قد تخطّى 15 الف ليرة سورية وأكثر في السوق السوداء، في أزمة غير مسبوقة في تاريخ سوريا.
وطأة الأزمات وقساوتها تجعل من عكّار منطقة مفتوحة على احتمالات صعبة، قد تكون الأسوأ بين المناطق اللبنانية.