بوادر اشتباك لبناني – أوروبي.. هذه أبرز عناوينه
كتب طوني جبران في “المركزية”:
على مسافة أيام قليلة من الحراك الإقليمي – الدولي المرتقب ربطا بالملف الرئاسي، تتقدم الزيارات المرتقبة لفرق قضائية أوروبية الى بيروت تحت عنوان استئناف التحقيقات الجارية في هذه العواصم الاوروبية مع كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونوابه وكبار مساعديه منذ عقدين ونصف من الزمن وعدد من رؤساء مجالس ادارة بعض المصارف اللبنانية. وهو ما يوحي بوجود “مشروع اشتباك” جديد بين لبنان ومجموعة هذه الدول، بعدما عبّرت عن تجاهلهم لكل الاتفاقيات والمواثيق التي ترعى العلاقات بين السلطات القضائية بين الطرفين، ما رفع من المخاوف من احتمال مزيد من التوتر بين عواصم هذه الدول والسلطات اللبنانية، خصوصا انها جاءت لتضيف اسبابا تعزز الاشتباك المحتمل على خلفية ما هو قائم من خلافات ما زالت في الكواليس السياسية والدبلوماسية، نتيجة مواقف البعض منها من ملف النازحين السوريين بطريقة أدت الى تغييرات محتملة في التعاطي مع هذه الازمة بما لا يمكن ان يقبل به لبنان، إن تطور البحث الى مرحلة الدمج المباشر او المقنّع لهم والمجتمعات المضيفة في لبنان.
على هذه الخلفيات واستنادا الى ما توحي به الاجواء التي تنحو الى السلبية في طريقة تعاطي الأوروبيين على هذين المسارين القضائي والاجتماعي بالنظر الى التلازم بينهما على الأقل في التوقيت والمضمون، فإنهما يلتقيان في مكان ما على مسارات دفعت مراجع دبلوماسية وسياسية الى اطلاق مجموعة من التحذيرات عبر “المركزية” مما هو متوقع. وما يثير القلق لديها انها استندت الى مجموعة من المؤشرات غير المطمئنة والتي لا يمكن تجاهلها على الاطلاق او تجاوزها عند قراءة ما يمكن ان تشهده البلاد في المرحلة المقبلة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– عبرت طريقة التعاطي التي اعتمدتها بعض الدول الاوروبية مع ملف النازحين السوريين في المرحلة الاخيرة والتي تنم عن آلية جديدة ستؤدي حتما الى تقلص برامج الدعم المادية للنازحين والمجتمعات المضيفة في لبنان كما في مجموعة الدول في الجوار السوري، لتشمل تركيا والاردن بحجة انه من المنطقي أن يتم توجيه برامج المساعدات الى ملايين النازحين الاوكران الذين انتشروا في أكثر من دولة أوروبية حتى تلك البعيدة عن الجوار الأوكراني. وقد تلازم ذلك مع ما تستهلكه الموازنات العسكرية والدفاعية للجيوش الاوروبية وبرامج الدعم العسكري لأوكرانيا الى درجة لافتة لم تعرفها هذه الدول منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ومن بعدها الحرب الباردة التي وضعتها في مواجهة مع الاتحاد السوفياتي لفترة طويلة قبل تفككه والتوجه الى اطلاق الاتحاد الأوروبي لتكوين قوة اقتصادية ومالية في مواجهة تحولت مفتوحة مع الاقتصادات الدولية الكبرى.
– كان مقلقا ان تطلق بعض الهيئات القضائية مبادرة جديدة باتجاه لبنان، اتخذت طابع التحدي تحت شعار التعمق في التحقيقات الجارية بما سمته ملفات اختلاس للمال العام واستغلال النفوذ وتبييض الأموال. وكلها جرائم كانت مطروحة على اكثر من محكمة اوروبية مع كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشخصيات اقتصادية ومالية أخرى، لم تشملها الحملات الإعلامية التي شنت بالتنسيق والتعاون بين هيئات أوروبية غير رسمية وشخصيات حزبية وقضائية من لبنان تقدمهم بعض القضاة من بيروت وجبل لبنان ومسؤولين عملوا تحت عباءة التيار الوطني الحر الذين كوَنوا مجموعات ضغط شنت حملات علاقات عامة رفعت شعار الشفافية وملاحقة الفساد في موازاة الحملات التي شنت في لبنان باتجاه بعض الشركات المالية الكبرى والحاكم.
وبعيدا من أي محاولة للتوسع في مظاهر مشاريع الإشتباك المقبلة، اكتفت المراجع الدبلوماسية والسياسية بالتوقف أمام هاتين المبادرتين المتعلقتين بملفي النازحين والتحقيقات القضائية لتقرأ المؤشرات التي تنبىء بالتحولات السلبية المتوقعة في علاقات لبنان بهذه الدول والهيئات نتيجة للتطورات المتوقعة على هذين المسارين، وخصوصا ان بعض الإجراءات التي بدأتها بريطانيا بإبعاد اللاجئين الأفارقة تنبئ بما هو آت، في وقت أعلن فيه عن مبادرات مماثلة في كل من ألمانيا وفرنسا يمكن ان تؤدي الى فتح ملف “النزوح الغريب” عن أوروبا وهو ملف كان مطروحا بقوة على آخر أعمال مؤتمر لدول حوض البحر المتوسط الذي عقد الشهر الماضي في روما حيث اندلعت شرارة انقسام اوروبي حول هذا الملف.
وقالت مصادر شاركت في المؤتمر ان انشقاقا اوروبيا واضحا وضع المانيا وفرنسا في خانة المتعاطين بسلبية مع رؤية لبنان لهذا الملف مقابل تفهم اوروبي عميق عبرت عنه ايطاليا بالدرجة الاولى ومعها اليونان وقبرص ودول أخرى وهو ما ادى الى مواجهة لم تنته فصولها بعد مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بعدما انتقلت من اروقة المؤتمر الى بيروت.
وقبل أن تنتهي عملية لملمة الخلاف حول ملف النازحين جاءت المبادرة القضائية التي تجاهل القائمون بها مجموعة الملاحظات والتحذيرات التي تبلغتها هذه الوفود من النيابة العامة التمييزية باستحالة القيام بمهمتها في بيروت من دون طلب المعونة القضائية وأن الملف الذي يريدون متابعته موجود أمام القضاء وفي عهدة من لم يقبل بالتخلي عنه او احالته الى مراجع أخرى ولا يمكن الدخول عليه بطريقة تتجاهل الإجراءات الواجب اتباعها قبل خوض هذه المغامرة القضائية.
ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل المملة، ثمة من يعتقد ان وراء الطحشة الاوروبية مشروع مشكل لا يمكن ولوجه ان لم تصطدم هذه المبادرة بما يتناقض مع اهدافها المعلنة ليتحقق ما هو مضمر ومخفي منها وقد يتحقق عند شراء الأسباب التي ستقود إلى مواجهة دبلوماسية اكبر بكثير مما يتوقعه البعض، وهو ما استشعرته مراجع قضائية ودبلوماسية وسط تجاهل أهل الحكم الغارقين في بحر البحث عن الصلاحيات الخاصة بكل منهم.