لبنان

بين مشاهدة المونديال عن بعد…والمشاركة فيه

كتب كبريال مراد في موقع mtv: 

لا تترهّل البلدان وتتصدّع وتتفتت فجأة. هي النتيجة الحتمية لاستيراد منطق القبضايات من الشارع الى داخل المؤسسات، وتغليب اللادولة على الدولة. لذلك، يجب ألاّ نتفاجأ مما حصل ويحصل عندنا.  

ما نعيشه نتيجة حتمية، رافقها الإصرار على عدم معالجة الخلل، فكبرت الحفرة وتعمّقت، ما جعل التصادم حتمياً،  فعلت شريعة “كل مين إيدو إلو” على منطق القانون والدستور والمساواة والعدالة والتعددية.  
من السهل رمي المسؤولية على الآخرين. علماً أنه لو حيكت ألف مؤامرة دولية لما وجدت لنفسها مكاناً من دون أرضية خصبة تستوعبها. فاغتيال البلدان لا يتمّ من خارجها. بل تختنق الأوطان من الداخل عندما لا يتساوى المواطنون تحت سقف القانون والعدالة. عندها، بدل أن يتنافسوا على المشروع الأفضل ليتقدّم البلد خطوة في مصاف محيطه والعالم، يتناتشون بقايا دولة.  

في هذا السياق، جاءت “ثورة” 17 تشرين 2019 كنتيجة لكل ما سبق. قد يكون هناك من نفخ في نيرانها لتزداد اشتعالاً، لكن النار كانت تحت رماد المحسوبيات والسمسرات والوعود التي لم تصدق. لقد قتلت الأحلام في وطن رسم فيه الرحابنة يوماً ألف لوحة وخيال في مسرحياتهم وأغنياتهم، فأتى من تسلّط وتسلبط و”مدّ اجريه”، وهو يأكل مما لم يزرع، ويلبس مما لم ينسج، ويمتص خيرات الدولة، لتزداد خيراته. 
لم يطعن لبنان في ظهره من متآمر دولي. لقد تلقى السكاكين من الداخل، فتعب الجسم اللبناني واستفحل فيه المرض. “كبر السبع” فأضحى مسخرة لمن حلم يوماً أن يصير مثله، ولمن رغب بتحويله صندوق بريد لمشاريعه، أو “وطناً بديلاً”.  
هو الواقع، وهي الحقيقة. وبينما نعيش الفراغ في منطق الدولة، لا على مستوى الرئاسة فقط، فلتشكّل هذه الحالة فرصة لفحص ضمير، وجرس إنذار، لننطلق في البحث عما يبني لنا دولة تدوم لمئات الأعوام، فتستقر وتتقدم، ولا تضطرب وتتراجع، كلّ عام. 

بين الفعل والاستسلام للواقع، بعد شاسع. يشبه الفارق بين مشاهدة المونديال عن بعد، والمشاركة فيه.

Related Articles