باسيل يُودّع الرئاسة
ليس قرار ادراج وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل على قائمة العقوبات الأميركية، سوى دليل على مدى بُعد هذا الرجل عن الرئاسة، وأيضاً على الهزيمة المرتقبة له ولحلفائه في أي انتخابات مقبلة. لا يُناسب أي مجموعة لبنانية أن يكون زعيمها مُعاقباً ومرفوضاً ومداناً من الولايات المتحدة، ومن الصعب على البرلمان انتخاب رئيس بهذه المواصفات، سيما في ظل انهيار مالي واقتصادي يتطلب حزمات مساعدات خارجية للنهوض بالبلد.
وليس رفع اسم الرجل عن القائمة الأميركية بالأمر السهل، وقد يستغرق وقتاً طويلاً جداً من خلال المحاكم والقنوات الدبلوماسية وغير ذلك. تخيلوا أن دولة السودان وبعد مضي سنتين على ثورتها، اضطرت لتسديد فاتورة سياسية من أجل رفع اسمها عن قائمة الدول الراعية للإرهاب. مسار باسيل لن يكون سهلاً، بل يبدو مملوءاً بالأشواك والصعوبات، وقد يستغرق وقتاً أطول من موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية اللبنانية عام 2022.
والحقيقة أن العقوبات على باسيل ليست خطوة “جمهورية” فحسب، ولن تُمحى بمجرد دخول الرئيس الأميركي المقبل جو بايدن إلى البيت الأبيض، بل الأرجح أن العودة عن هذه السياسة في الإدارة المقبلة تفترض حدثين أساسيين:
أولاً، اتفاق أميركي-إيراني على جملة قضايا من ضمنها العودة إلى الاتفاق النووي، وما يشمل ذلك من رفع لبعض العقوبات. ومن بين القضايا التي ستكون مطروحة على بساط البحث، هي الدور الإيراني في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان.
ثانياً، على باسيل التعاون مع مسار الإصلاحات في لبنان للمضي قدماً في محاولة انقاذ الاقتصاد. بيد أن الرجل بنى سُمعة دولية له كمُعرقل لأي إصلاح في لبنان. بالنسبة للأوساط الدبلوماسية الأوروبية والأميركية، يقف باسيل عائقاً أمام أي تقدم في مجال الطاقة، ويُساهم بدعم من حلفائه في حرمان لبنان من الكهرباء. وهذا رأي يتشارك فيه قسم كبير من اللبنانيين مع الإدارة الأميركية والأوساط الدبلوماسية الأوروبية. المهم أن على باسيل تبديل نهجه في مقاربة الوضع الاقتصادي اللبناني وإدارة الملفات الأساسية، ذاك أن الطاقة باتت معبراً أساسياً لأي مساعدات للبلاد.
في السياسة، ولو كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فائزاً، وهو الخاسر على الأرجح، على باسيل اتخاذ قرارات أكثر حسماً في استدارته بعيداً عن “حزب الله”. لا مجال للسياسات الالتفافية وللمواربة هنا.
ولكن الواقع أن هذه الاستدارة لن تكون بالضرورة مطلباً رئيسياً أو أولوية لإدارة بايدن، ولكنها قائمة بالمبدأ. الإدارة المقبلة ستظل تُصنف “حزب الله” تنظيماً إرهابياً، وهي بالتالي لن تُهرول لرفع أسماء حلفائه عن قوائم دعم الإرهاب، بل من المنطقي أن تواصل استخدام ذلك كورقة ضغط.
الوقت عامل أساسي هنا. بيد أن الإدارة المقبلة لن تدخل الى البيت الأبيض وفي يدها الملف اللبناني، بل الأرجح ونظراً للانقسام الحالي في الولايات المتحدة وأزمة كورونا والركود الاقتصادي الناجم عنها، سيحتاج بايدن إلى سنة لبلورة سياسة جديدة، وهذا وقت طويل للبنان. ونظراً للتقارب المنتظر بين الولايات المتحدة وأوروبا، علينا توقع بعض التفويض للجانب الأوروبي، وهذا يمنح المبادرة الفرنسية أو ما تبقى منها، زخماً جديداً.
حينها، قد تبقى العقوبات أداة لابعاد شبح الانهيار الشامل عن لبنان، لتجنيب أوروبا أزمة لجوء جديدة، وللحؤول دون خلق بقعة غير مستقرة تستحيل ملعباً لقوى غير صديقة للغرب.
لهذا فإن أمام باسيل اليوم خيارين لا ثالث لهما، إما انتهاج أسلوب جديد في مقاربة السياسة اللبنانية وانتظار تبدلات إيجابية حياله شخصياً وفي التفاوض الأميركي-الايراني، أو مواجهة العالم بأسره ومعه ربما مئات آلاف المتظاهرين اللبنانيين.
الأرجح أننا سنتسلى كثيراً عندما نشاهد المشاكس والمشاغب والمعرقل يستحيل طيّعاً ومحباً للسلام والإصلاح.
المصدر: المدن