جاء في “المركزية”:
بعد انقضاء آخر حالة للكوليرا في لبنان عام 1993، عاد الوباء ليظهر مجدّداً، تحديداً في عكّار. الحصيلة لعدد الإصابات المعلن عنها رسمياً حتى لحظة كتابة هذه السطور لا تزال إثنتين. احتمال أن تكون الحالة الأولى المشخّصة مستوردة من سوريا وارد، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود عوامل داخلية تؤدي إلى انتشار الوباء، أبرزها عدم صيانة البنية التحتية ما يؤدي إلى اختلاط مياه الشفة مع مياه الصرف الصحي، هذا عدا عن انقطاع اللقاحات وانخفاض نسب التلقيح بين الصغار إلى حدود الـ 40%.
وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أوضح أن “وصول الكوليرا إلى لبنان كان متوقعاً”، معلناً اتخاذ الوزارة جملة إجراءات سعياً إلى حصر انتشاره، منها تشكيل خلية أزمة وعقد اجتماعات متواصلة، مع جدولة زيارات ميدانية، وتفعيل مختبرات فحص المياه في 8 مستشفيات ومختبرات كمرحلة أولى… ورغم طمأنته المواطنين بأن “بؤرة الإنتشار ما زالت محصورة”، يتخوّف الأبيض من “انتشار أوسع إذا لم يتم تدارك الوضع”. وفي انتظار مصير تفشي الوباء، ما هي عوارض التقاطه؟ وكيف يمكن تفادي الاصابة به؟
طبيب الأمراض الجرثومية في “مستشفى أوتيل ديو دو فرانس” و”جامعة القديس يوسف” نبيل شحاته يشرح لـ”المركزية”، أن “بكتيريا الكوليرا تعشق المياه والرطوبة. السبب الأساس لانتقال المرض مرتبط بنظافة مياه الشفة، فإذا اختلطت مع مياه الصرف الصحي، تقع المصيبة وينتشر المرض بسرعة قياسية. كذلك، غسل الخضار والفاكهة أو ري المنتجات الزراعية بمياه ملوثة بالمجارير من العوامل المؤدية إلى التقاط العدوى، أو حتى تناول الطعام في أماكن عامة ومطاعم من دون غسله. وفي حال استخدم شخص مصاب المرحاض من دون غسل يديه ثم تقابل مع شخص آخر يمكن أن ينقل إليه المرض”.
أما أبرز عوارض الإصابة، فيختصرها على الشكل الآتي: “الإسهال، إذ إن الكوليرا من أكثر الأمراض المعدية التي تسبب الالتهابات وتؤدي إلى إسهال قوي جدّاً وغالباً ما يجف الجسم ما يتسبب بوفاة المريض. هذا إضافةً إلى آلام في المعدة وارتفاع حرارة الجسم مع المعاناة أحياناً من التقيؤ”.
وعند الشعور بهذه العوارض، ينصح شحاته بـ”مراجعة الطبيب مباشرةً، من دون تناول اي دواء، لا سيما المضادات الحيوية”.
وفي ما خصّ معالجة الإصابة، يوضح أن “طرق العلاج تتفاوت حسب الحالات. والأكيد أن المريض يعزل وغالباً ما يعطى مصل مياه، إلى جانب المضادات الحيوية”.
بالنسبة إلى إرشادات الوقاية، يلفت شحاته إلى أن “الكوليرا جرثومة تبيت في الامعاء ولا تنتقل عبر التنفس. مياه الشفة غير الملوثة من أهم سبل الحماية، على المواطن التأكّد من مصدر المياه ومن أنها غير مختلطة مع الصرف الصحي ولا تحتوي على أي بكتيريا سواء الكوليرا أو غيرها مثل التهاب الكبد الوبائي (أ) الموجود أيضاً في لبنان منذ فترة للسبب نفسه، في حين أن سكان العديد من المناطق والقرى يشربون من نبع أو بئر من دون إجراء فحوصات مستمرة لصلاحية مياهه. وفي حال الاضطرار الى شرب المياه من دون التأكد من نظافتها، يمكن غليها جيّداً على الأقل ما بين 5 و10 دقائق.
كذلك، غسل اليدين أساسي للوقاية، إضافةً إلى غسل الخضار والفاكهة جيّداً بمياه جارية نظيفة، خصوصاً أن بعض الأصناف مثل البقدونس والخضار الخضراء تعلق عليها الجراثيم، أو يمكن أيضاً نقعها لبعض الدقائق بالخل المركّز قبل إعادة غسلها بالمياه”.
أما عن الملقحين، فيشير إلى “أنهم غير محميين بنسب عالية، خصوصاً أن نتائج استقصاءات وزارة الصحة حول نوع سلالة الكوليرا لم تصدر بعد. كذلك، اللقاح غير متوافر حالياً في لبنان، وفي الدول التي تشهد انتشاراً مخيفاً للكوليرا غالباً ما يصاب الآلاف بالمرض ويفارقون الحياة قبل وصول اللقاح، لذلك يأتي في المرتبة الثانية كوسيلة للوقاية بعد الأمور المذكورة آنفاً”.
ماذا ينتظر لبنان؟ وفي ما إذا كان البلد أمام خطر تفشٍّ كبير للوباء، يجيب شحاته “إذا تمّ تحديد مصدر العدوى يمكن ضبط الانتشار من بدايته. والتهديد يكون جديا إن كان السبب مياها شربها أكثر من شخص أو طعاما ملوثا لأن السيطرة تصبح صعبة نوعاً”، آملاً “تحديد المصدر لاحتواء المرض والحد من انتشاره. وإذا تمت السيطرة على مستوى مياه الشفة، يمكن غالباً منع الانتشار ويبدو أن إمكانية احتوائه واردة لأنه لا يزال محصورا في عكار”.
ويختم “الكوليرا من أشد الأوبئة فتكاً بالبشرية، ومن الضروري اتخاذ إجراءات حكومية حازمة لضبطها سريعاً”