رئاسة الجمهورية مجدّداً إلى قائد الجيش؟
كتبت رندة تقي الدين في “النهار”:
المراقب الاجنبي الذي شاهد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يضيع في محاولة فهم دهاليز مناورات أحزاب الممانعة في جلسة أرادها رئيس مجلس النواب نبيه بري اختبارا للنيات مع الابقاء على إدارة اللعبة الرئاسية في حوزته. فكيف يمكن تفسير ان الثنائي الشيعي المتمثل بـ “حزب الله” وحركة “امل” وحلفائه المسيحيين من “التيار الوطني الحر” برئاسة صهر الرئيس النائب جبران باسيل، و”تيار المردة” الذي يرأسه الوزير السابق سليمان فرنجية، اقترعوا بـ 63 ورقة بيضاء لأنهم غير متفقين على مرشح “الحزب” سليمان فرنجية؟ وماذا يعني ان يصوّت طوني سليمان فرنجية نجل المرشح بورقة بيضاء؟ إن مشهد الـ63 نائبا يصوتون بورقة بيضاء هو في حد ذاته إهانة لمبدأ الديموقراطية وسخرية من رغبة رئيس المجلس في اختبار النيات. فهل يعني ذلك ان “حزب الله” أخفق في توحيد صفوف جماعته وراء مرشحه سليمان فرنجية، ام انه لا يريده فعلا، لان للأخير عددا محدودا جدا من النواب ويفضل إرضاء جبران باسيل وتياره كونه يخدمه بعدد اكبر من النواب المسيحيين، خصوصا ان باسيل ليس مرشحا وسبق له ان ابلغ بعض الجهات الخارجية انه ليس مرشحا “هذه المرة” إذ هو يدرك تماما انه لن يُنتخب لاسباب داخلية وخارجية بسبب العقوبات الاميركية. واقع الحال ان مهزلة الـ63 ورقة بيضاء تظهر ان المسار الديموقراطي بعيد كل البعد عن “حزب الله” الذي يناور بعيدا عن الحقيقة التي بناء عليها وعد فرنجية بالرئاسة بعد فرض الرئيس ميشال عون في هذا المنصب. لكن الواقع يناقض ذلك، فهو يسقط وعده بألاعيب الأوراق البيض التي لا تخدع احدا. واضح ان “حزب الله” يفضل باسيل على فرنجية، حتى انه طلب من الرجلين ان يتفقا قبل ذلك، مدركا ان باسيل يريد كل النفوذ له مع إبقاء فرنجية “رئيس صورة” وتجريده من النفوذ. ولا شك في ان “الحزب” أراد إرضاء حليفيه الرئيس بري والمرشح فرنجية بمثل هذه المهزلة للقول انه عاجز عن البتّ بين الخصمين حليفيه فرنجية وباسيل، لكن واقع الحال هو انه بحاجة اكثر الى باسيل الاكثر تمثيلا في الشارع المسيحي من فرنجية، وهو خصم لسمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية”. أما تصويت النواب الجدد المعروفين باسم التغييريين فأظهر انهم بعيدون كل البعد عن التغيير. ثم ان عجزهم عن التوحد وراء مرشح واحد واستخدام اسم رجل اعمال ناجح هو سليم ميشال اده من دون استشارته وعلمه، يعبّر عن سذاجة سياسية أظهرت تفكك صف المعارضة السيادية وفوضى في صفوف هؤلاء النواب، وكان من الأفضل ان يعطوا المرشح ميشال معوض الأصوات الـ 11 التي أعطيت لسليم اده الذي لا يصبو الى اي منصب رئاسي، ومعروف عنه انه رجل اعمال لامع يعطي الكثير للبنان، وهو بعيد كل البعد عن مثل هذه الطريقة لمسار انتخابي بدا مهزلة. فلو حصل معوض على الأصوات الـ11 الإضافية لكانت رسالة المعارضة السيادية اقوى بوجه أحزاب الممانعة التي امتنعت فعليا عن التصويت للمرشح فرنجية لأنه بالعمق ليس مرشحهم ولكن “حزب الله” حريص على مسايرته.
في النهاية سيحلّ الفراغ الرئاسي ويزداد التدهور في لبنان حتى يتم الاتفاق كالعادة على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يحصل على توافق من جميع الأطراف الداخلية والخارجية رغم انه اتفاق يفتقد الحماسة . فجوزف عون ابلغ الاميركيين انه جاهز للترشح الى رئاسة الجمهورية وهو مقبول دوليا وداخليا. وهناك بعض الأسماء التي يجري تداولها للمنصب، بينها الوزير السابق جهاد ازعور وهو مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي ولديه خبرة في كيفية إدارة اخراج لبنان من محنته الاقتصادية، او المصرفي الدولي سمير عساف، وكلاهما يحتاج لبنان الى كفاءتهما ونزاهتهما، لكن يبدو لسوء الحظ ان أصحاب الأوراق البيض ليسوا جاهزين لانتخاب ديموقراطي حقيقي يخيّر الناس بين اكفأ الشخصيات. فخيار قائد الجيش سيوافق الجميع في النهاية كونه لم يتصدَّ لـ”حزب الله” وهو مقبول دوليا ومعروف بالنزاهة. والسؤال: متى الموعد المقبل لجلسة أخرى، وهل نرى أسماء جديدة تطرح لمجرد الاختبار مثل الوزيرين السابقين زياد بارود او ناصيف حتي، او ان يتم انتخاب قائد الجيش في الموعد الدستوري؟ الاسرة الدولية مهتمة بأن يتم الانتخاب في الموعد، ولكن هل أحزاب الممانعة مهتمة بالخارج ام انها تفضل الفراغ وتسليم حكومة تصريف الاعمال إدارة البلد؟ الاسرة الدولية التي تريد مساعدة لبنان على الخروج من محنته لا تبالي بتشكيل حكومة بقدر ما هي مهتمة بان تجري حكومة ميقاتي الإصلاحات المطلوبة دوليا. هذا هو الأهم بالنسبة الى الولايات المتحدة وفرنسا وربما السعودية التي حتى الآن لم تستقبل رئيس الحكومة الذي كان تكلم مع ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي هاتفيا عندما زار الاخير جدة في كانون الاول الماضي. والمملكة لم توجه دعوة لرئيس الحكومة اللبنانية، علما ان فرنسا والولايات المتحده تدعمانه وتتمنيان ان يستمر في عمله رئيسا للحكومة، وكان استقبال الرئيس ماكرون ووزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن له دليلا على هذا الدعم. الا ان حكومة تصريف الاعمال لم تنجز الكثير بعد استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، والجميع في الخارج يضغطون على المسؤولين اللبنانيين للتقدم بسرعة في تنفيذ الإصلاحات، خصوصا ان موعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية يقترب بشكل كبير ما يعطي نوعا من بريق أمل لبنان في أمسّ الحاجة اليه.