لبنان

بعد البيطار… هل صدر حكم المنظومة بـ”قبع” القاضي عبود؟

جاء في “المركزية”:

غريبٌ لا بل مستغرب كيفية تزوير الحقيقة في ملف تفجير المرفأ. فقبل أن يتخذ وزير العدل هنري خوري قرار تعيين قاضٍ رديف ويوافق مجلس القضاء الأعلى عليه، كانت السهام مصوّبة على قاضي التحقيق العدلي في الملف طارق البيطار. فجأة بات المتهم بعرقلة الملف و”المجرم” بحق الموقوفين فيه منذ عامين رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. وذهب بعض المتضررين من العدالة إلى اتهامه بأنه “يمعن في تسيير القضاء وفق أهوائه”، لتتحول المواجهة بين أهالي الموقوفين وعبود. ومما زاد الأمور سوءاً وتعقيدا، دخول مناصري التيار الوطني الحر على الخط وتضامنهم إلى جانب أهالي الموقوفين وحصول سجال بين القاضي عبود والنائب في كتلة لبنان القوي شربل مارون لم يخلُ من الحدية ومن عبارات القدح والذم في حق عبود.

بغض النظر عن أحقية مطالبة أهالي الموقوفين بالنظر في ملفاتهم إذ حتى اللحظة لم يتم النظر فيها بسبب كف يد القاضي البيطار عن الملف عدا عن دعاوى الرد في حقه. وبغض النظر عن الأوضاع الإنسانية والصحية التي يعاني منها بعض الموقوفين وقد أدخلوا إلى المستشفى لمرات عديدة، والتي على أساسها فقط وافق القاضي سهيل عبود على تعيين قاضٍ رديف، هل عدنا نسمع عن المتهمين الذين استدعاهم البيطار للتحقيق معهم ورفضوا؟ هل عدنا نقرأ عن المتهمين من وزراء سابقين ونواب متهمين سابقين أعيد انتخابهم ودخلوا البرلمان بإسم الشعب؟ والأهم هل ثمة من يشك بعد بأن كل السيناريوهات التي تُكتب هدفها واحد عدم الوصول إلى الحقيقة في جريمة تفجير المرفأ؟

ما يجري اليوم يشبه إلى حد بعيد ما حصل مع القاضي البيطار. وكما أرادوا”قبعه” وفشلوا حتما، هكذا يحيكون الشباك للإيقاع برئيس مجلس القضاء الأعلى و”قبعه” تارة بحجة أنه يعرقل مسار تعيين قاضٍ رديف واخرى بأنه يطلب من القضاء فك الإضراب والعودة عن الإعتكاف.

نبدأ من النقطة الجدلية الثانية. قانونا لا يفترض على رئيس مجلس القضاء الأعلى عقد جمعية عمومية لاستمزاج رأي القضاة في مسألة العودة عن الإعتكاف وتسيير ملفات موقوفين والبت في دعاوى.إذ جرت العادة بأن يأخذ رئيس المجلس القرار ويعممه على القضاة ومن يعترض تتخذ في حقه الإجراءات اللازمة. فهل فعلها القاضي عبود تجنبا لوضعه وحيدا في الواجهة؟

“في العودة إلى بداية مرحلة اعتكاف القضاة، ترك القاضي عبود الذي كان ولا يزال من المؤمنين بالمطالب المحقة التي رفعها القضاة، لكل قاضٍ حرية الخيار في العودة عن الإعتكاف وفقاً للظروف الإنسانية. وإذا ما طلب محامي عام أو مدعي عام إشارة من قاض لا يرفض بحجة الإعتكاف. وتمنى عليهم في ظروف مماثلة أن ينسوا الإعتكاف ليعودوا إليه بعد بت المسألة” يقول القاضي شكري صادر ل”المركزية” ومن هذه الخلفية الإنسانية وافق القاضي عبود على قرار تعيين قاضٍ رديف في ملف جريمة تفجير المرفأ.

إلا أن المنظومة الحاكمة التي تريد طمس الحقيقة، تلقفت قرار عبود وبادلته بالطعن لكن في الظهر! ومجرد قبوله “أسقطت”على المجلس إسم القاضية سمرندا نصار المعروفة بولائها المطلق للتيار الوطني الحر وباتجاهاتها المعاكسة للسيادية، فما كان من عبود ومعه قاض ثان إلا أن رفضا التصويت على إسم القاضية نصار خلال جلسة التصويت التي عقدت الأسبوع الفائت. ومن حينه انطلقت حملات الإلتفاف على عبود والهجوم المباشر عليه من خلال اتهامه بعرقلة التحقيق والتضييق عليه ربما بهدف إلحاقه بقاطرة القضاة الذين تصوب عليهم المنظومة الحاكمة بهدف قبعهم. وفي السياق يسأل صادر:” هل كان هناك تحقيق في ملف جريمة تفجير المرفأ لولا القاضي عبود؟”.

اللافت في القضية يضيف “أن القاضي عبود تابع ملف تفجير المرفأ منذ اليوم الأول وهو من المطالبين بالإبقاء على القاضي البيطار. لكن الواضح أن عملية الإلتفاف عليه حصلت من الناحية الإنسانية وقد استغلها فريق الممانعة الذي يصر على عدم كشف الحقيقة وشلّ يد القاضي البيطار”. ويلفت صادر إلى “أن مسألة تعيين قاضٍ رديف تدخل في سياق عرقلة التحقيق لأن أهالي الضحايا لن يقبلوا بذلك والهدف من كل ذلك وضع أهالي الموقوفين في وجه أهالي ضحايا المرفأ”.

ربما كان من الأجدى ألا يسير القاضي عبود وفق “حسِّه” الإنساني، وأن يطبّق القانون فيرفض قرار وزير العدل بتعيين قاضٍ رديف، وأن يستدرك الخطة التي تم تحضيرها في غرف السياسة وليس القضاء. إلا أنه تساهل إنطلاقا من حسه الإنساني ووافق على قاضٍ رديف وبالمعايير التي فرضها أن يكون حياديا كما حدد صلاحياته بإخلاءات سبيل الموقوفين دون سواها، فتلقفتها المنظومة وفرضت عليه إسم سمرندا نصار.

بعد وقوع جريمة تفجير المرفأ في 4 آب 2020 أعلن الرئيس ميشال عون رفضه لأي تحقيق دولي “لأنه يميّع الحقيقة “. واعتبر أن القضاء اللبناني كما الأجهزة الأمنية كفيلان في الوصول إلى الحقيقة. يومها قال إن الحقيقة ستظهر في خلال 5 أيام …

عامان وشهران مرّا على الجريمة والقضاء الذي تطبِق المنظومة الحاكمة عليه بإسم “الله” وتُحكم قبضتها على قرارات وأحكام بعض القضاة، لا يزال يدور في فلك عرقلة التحقيق والتماهي بمحاولات “قبع” القضاة الشرفاء. والهدف؟ إقفال الملف وعدم كشف حقيقة من خزّن ومن أشرف على عملية التخزين. والأهم من فجّر مرفأ بيروت وقتل 230 شخصا؟

مقالات ذات صلة