رفع الظلامة بعودة العدالة والقضاة..
جاء في “اللواء”
مع كل الدعم لمطالب القضاة في تصحيح رواتبهم، وتوفير التقديمات اللائقة بهم، إلا أن إستمرار الإضراب الذي شل جلسات المحاكم، وأوقف نشاطات النيابات العامة، يُلحق أفدح الأضرار بمصالح الناس، ويُفاقم الزحمة المتزايدة في السجون، ويُضاعف الظلم اللاحق بمئات الموقوفين بإنتظار قرارات النيابات العامة بالإفراج عن معظمهم، أو إحالة الآخرين إلى المحاكم المختصة.
قضاة النيابات العامة يدركون، أكثر من غيرهم، الظروف غير الإنسانية في النظارات العامة، التي يتم حشرها بأضعاف مضاعفة من قدرتها على إستيعاب الموقوفين، في أوضاع لا تتوفر فيها أدنى المتطلبات لبني البشر، مما يؤدي إلى تعقيدات لا حصر لها في مسار العديد من الأبرياء الذين تتأخر الأحكام بإطلاقهم، فيُصابون بلوثة المجرمين والمنحرفين وأصحاب السوابق.
والتقارير الإجتماعية والطبية الخارجة من مختلف السجون اللبنانية، تحمل أكثر من وصمة عار على جبين هذه الدولة التي أهملت أبسط واجباتها تجاه المسجونين، الأحداث منهم والكبار، وعطلت مفعول العدالة بعدم محاكمة الآلاف من الموقوفين منذ سنوات طويلة، وإبقائهم في السجن دون مستند قضائي، حيث لا محاكمات ولا أحكام.
وأدت الأوضاع العشوائية في السجون، حيث لا طعام ولا ماء، ولا معاينات طبية ولا دواء، وفي ظل تفشي الأمراض المعدية بسبب الإزدحام الخانق، وعدم توفر الحد الأدنى من شروط النظافة، ولا وجود لشيء إسمه الوقاية في الأساس، إلى تهديد حياة المئات من السجناء، بسبب التقصير الحاصل من جانب الإدارات المسؤولة في الدولة، وعدم السماح للأهالي بتقديم العناية الطبية اللازمة، أو حتى توفير الأدوية المطلوبة لهم، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الإنهيارات الحاصلة في البلد لم تؤثر على قدرات الدولة وحسب، بقدر ما ضربت إمكانيات العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل، التي ينتمي إليها العدد الأكبر من السجناء.
في الدول التي تحترم مواطنيها تُعتبر السجون بمثابة مدارس للكبار وإصلاحيات للصغار، حيث يتم التعامل مع كل سجين حسب أوضاعه النفسية والإجتماعية، وتتم معالجة أسباب دفعه إلى الإنحراف عن الطريق القويم ووصوله إلى السجن. أما في لبنان فالمرء يدخل السجن متهماً، ويخرج منه محترفاً للكثير من الموبقات!
حل مشكلة السجون ورفع الظلامة عن آلاف المسجونين يبدأ بعودة العدالة إلى قصور العدل، وعودة القضاة إلى محاكمهم.