لبنان

الترسيم بـ”سلة متكاملة” بعد انتهاء ولاية عون… فراغ وفوضى دستورية يستدرجان التدخل الخارجي!

التأخير في إنجاز الاستحقاقات ال#لبنانية، من ملف الترسيم إلى تشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة، يعكس حجم الخلافات حول إمكان صوغ تسويات وترسيخ التوافقات في لحظة سياسية مواتية. فالتطورات التي عكستها الاحداث خلال الأيام الماضية، من زيارة الوسيط الاميركي آموس #هوكشتاين وما حمله في ملف #ترسيم الحدود، والصراع المستمر حول تشكيل الحكومة في ظل ممانعة عونية عن الاعتراف بحكومة تصريف الأعمال لتسلم الصلاحيات، واحتمالات الفراغ الرئاسي أو إقدام رئيس الجمهورية #ميشال عون على اتخاذ قرارات ليست في الحسبان، كل ذلك يشير الى أن الملفات اللبنانية باتت ترتبط بالتطورات الاقليمية فيما جميع القوى تحاول كسب الوقت للاستثمار في التغييرات المحتملة وصولاً إلى البحث في صيغة النظام وهوية البلد.

في ملف الترسيم بات واضحاً أن الاتفاق مؤجل مبدئياً إلى ما بعد نهاية تشرين الأول المقبل، إذ أن زيارة هوكشتاين لم تفض إلى نتائج حاسمة، وهو سيواصل جولاته بين لبنان وإسرائيل لوضع إطار عام للاتفاق يسمح بالعودة إلى جلسات الناقورة. ويظهر أن النقطة الرئيسية في تحرك هوكشتاين هي لمنع التصعيد، وفق ما يقول سياسي لبناني متابع، فلبنان لم يتخذ موقفاً من وقف إسرائيل لاستخراج الغاز من حقل كاريش وتأجيله إلى ما بعد الانتخابات، وذلك بعد تكريس الخط 23 كاملاً لمصلحته مع حقل قانا، وإن كانت هناك ضبابية وعدم وضوح في نقطة انطلاقه وعلاقتها بالحدود البرية.

الجديد في الموقف اللبناني هو ربط الترسيم البري بالبحري، وإن كانت عبر نقاط محددة، فنقطة رأس الناقورة البرية يتم الارتكاز عليها كخط بحري وهي ما تعرف بالنقطة B1. سأل هوكشتاين عن نقطة انطلاق الخط 23، وهو ما يعني أن هناك مطلباً إسرائيلياً بتغيير النقطة والترسيم على عمق خمسة كيلومترات من البحر. ويؤدي إلى فصل الترسيم البري عن البحري. الخطر في التخلي عن النقطة B1 ينسف كل ما حصّله لبنان ويفتح الطريق على الخطوط المتعرجة، وكذلك على كل النقاط البرية التي يطالب بها لبنان على طول الحدود وسيادته عليها.

التوقعات تشير إلى أن ملف الترسيم لن ينجز إلا بالتوازي مع تطورات إقليمية تفتح الطريق على انجاز الاستحقاقات الدستورية. وإلى حين اتضاح طبيعة الرد اللبناني على ما طرحه هوكشتاين، لا يبدو “حزب الله” مقتنعاً بجدوى المفاوضات ويعتبر أن كل ما يجري هو مضيعة للوقت. واللافت أن لبنان الرسمي لا يفعل شيئاً في ما يتعلق بالترسيم، انما انتظار ما يحمله هوكشتاين في كل مرة. وبينما يؤكد “حزب الله” أن هناك مماطلة إسرائيلية في الترسيم، يبدو أيضاً أنه يماطل في محاولة كسب المزيد من الوقت في انتظار تطورات إقليمية مواتية. وبمعنى أخر يعرف الحزب أن ملف الترسيم مؤجل إلى حين اتضاح صورة ما يجري إقليمياً بالعلاقة مع الوضع اللبناني، وهذه الصورة إذا تبلورت باتفاقات من بينها النووي، أو عكس ذلك، ستحدد في الحالتين ملامح الوضع اللبناني والتوازنات وما سيتكرس على مستوى النظام وانتخابات الرئاسة والحكومة المقبلة.

لم ينضج الوضع بعد للوصول إلى اتفاق بشأن الترسيم. هذا ما يذهب إليه السياسي المتابع، يجزم أن الامور تحتاج إلى مزيد من ترتيب الملفات المرتبطة بالترسيم. ذلك أن توقيع الاتفاق يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة في وضع المنطقة كلها وأيضاً في لبنان، فالترسيم البحري لا يحصل إلا بعد تذليل العديد من التعقيدات المرتبطة بملفات أخرى، وهو يأتي بعدها وليس قبلها، طالما أن الاتفاق سيرسخ الاستقرار في المنطقة ويمنع اي تصعيد أو حرب ومواجهات، ويعني أيضاً فتح التفاوض على الحدود البرية في النقاط المتنازع عليها، كما أنه سيقيّد حركة “حزب الله” وسلاحه، وهو أمر لا يقبله الحزب، ما يعني أن الأمور لم تصل بعد الى مرحلة التسويات. فالحل هو جزء من سلة متكاملة للملفات اللبنانية ومن هنا تبدو وساطة هوكشتاين لمنع التصعيد إلى أن تنضج الاوضاع ويحين وقت توقيع الاتفاقات بتسوية السلة المتكاملة.

زار هوكشتاين الرؤساء الثلاثة، في الوقت الذي يستمر الصراع الداخلي على مختلف الاستحقاقات، وهو مفتوح على احتمالات ترك البلد في حالة فوضى أو التوافق على تسويات معينة، من دون أن تصل الى انجاز الاستحقاقات الدستورية. وإذا كنا نشهد محاولات لتمرير صفقات بالتوازي مع الصراع على الحكومة، تبقى الأزمة الرئيسية في استحقاق انتخاب الرئيس، إذ أن الصراع يأخذ طابعاً وجودياً، يتصدره التيار العوني برئاسة جبران باسيل الذي أعلن في شكل واضح أنه لن يعترف بتسلم حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي لصلاحيات رئيس الجمهورية، “لأن الفراغ لا يمكنه أن يسدّ الفراغ”.

الفراغ الرئاسي يفتح صراعاً بين القوى السياسية والطائفية يأخذ منحىً دستورياً ووجودياً، وقبل ذلك مشكلة خروج عون من القصر وما يمكن أن يرافقه من قرارات ليست في الحسبان وتزيد من حدة الانقسام في البلد، خصوصاً وأن عون يحجز تشكيلة الحكومة ولا يبدو أنه في صدد التوقيع على تشكيلة إلا بالتسليم بشروطه. يعني ذلك أن البحث عن اسم الرئيس الجديد مؤجل، فيما الصراع يدل على أن اي رئيس جمهورية سينتخب لاحقاً لن يكون على قاعدة تسوية 2016 التي جاءت بعون رئيساً، وهي بالتجربة اثبتت أن “الرئيس القوي” أو العسكري ليس حلاً لمشكلات لبنان، فضلاً عن أن البلد بعد التطورات التي حدثت منذ ست سنوات وأدخلته في حالة الانهيار لا يحتمل رئيساً يحكم باسم طرف سياسي وينحاز لمحور ضد آخر، وبالتالي هو غير قادر على الانقاذ. وتبدو في هذا السياق مسالة ترسيم الحدود نقطة مهمة في الصراع الدائر، إذ أن الاتفاق قبل نهاية ولاية عون يختلف عنه بعد انتهاء الولاية على مستوى التوازنات الداخلية، ويدل على أن الترسيم هو جزء من سلة متكاملة ترتبط بالاستحقاقات اللبنانية.

السجالات حول مواصفات الرئيس بين القوى السياسية أنها للتعمية وللتغطية على عجزها عن حل المشكلات، ولا شيء يدل على أن حل الملفات سيكون لبنانياً ولا انتخاب الرئيس ايضاً، طالما بقيت القوى بمن فيهم “حزب الله”، تزج لبنان في الصراع الإقليمي. وإلى حين تبلور وجهة دولية للاستحقاقات اللبنانية، سيبقى الصراع يدور حول الحكومة وصلاحياتها، وصولاً إلى فوضى دستورية تفاقم أزمات البلد وتدفعه أكثر إلى الانزلاق نحو الهاوية.

مقالات ذات صلة