قيومجيان: لبنان مع القضايا المحقة وملتزمون الحياد
اعتبر الوزير السابق ريشار قيومجيان أن “المنطقة تشهد اليوم مشروعين كبيرين توسعيين: تركي وإيراني، وقد يكون ثالثهما إسرائيل التي تحتل الجولان وقسماً من الجنوب اللبناني، لكن مع عودة صحراء سيناء إلى الشرعية المصرية ومفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان وتوقيع اتفاقيات السلام مع دول الخليج لم تعد النزعة الإسرائيلية التوسعية واضحة كتركيا وإيران”.
وأردف في مقابلة لوكالة “أنباء اسيا”: “ربما هناك مشروع اقتصادي إسرائيلي توسعي وفق مصالح معينة، إلا أن لإيران مشاريع واضحة جداً، ولديها مجموعات قائمة منتشرة عندنا، وهي تعمل لمصلحتها، ولا أستبعد أن يكون لتركيا في لبنان مجموعات تدين بالولاء لها”.
أضاف قيومجيان: “هناك بعض القرى في عكار مثل الكواشرة وعيدمون والبيرة تستقبلك فيها صور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأعلام التركية، علماً أنه ليس سراً بأن لأردوغان مشروع توسعي يرمي إلى بسط نفوذه على كل الشعوب التي كانت مستعمرة من قبل العثمانيين في التاريخ، ابتداءً من لبنان وصولاً إلى القوقاز وأذربيجان، وهو مماثل للمشروع التوسعي الإيراني الذي يهدف إلى ضمّ كل المناطق التي ينتشر فيها إخواننا الشيعة في الشرق الأوسط”.
لا يوافق قيومجيان على ما يروّج له أردوغان بأن زيارة ماكرون إلى لبنان كانت لأهداف استعمارية موضحاً: “تاريخياً تربط فرنسا بلبنان علاقات صداقة، وهناك قيم مشتركة مثل الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وتقبّل الآخر”، ومتسائلاً: “ما هي الأطماع الاستعمارية لفرنسا في لبنان؟ هل هي حقول النفط والغاز أو مناجم الذهب والألماس أو سهول القمح الوفيرة؟ هذا كلام مثير للسخرية، هناك علاقة صداقة بين فرنسا ولبنان منذ أيام القديس لويس مروراً بالانتداب، ويجب الاعتراف بها، فعلى الأقل تركت فرنسا بعد الانتداب مدارس وجامعات ومستشفيات، فماذا ترك العثمانيون خلال 400 عام من الاحتلال إلا الشحار والتعتير والقتل والاضطهاد؟”.
عن مشروع الحياد البطريركي وضرورة عدم إقحام أنفسنا في النزاع التركي الفرنسي، قال:”أنا مع الحياد والنأي بالنفس عن مشاكل المنطقة، سواء خلافات أميركا وإيران من جهة، أو فرنسا وتركيا من جهة أخرى، هذا ليس شأننا. على كل حال ليس هناك ميليشيات تركية أو فرنسية في لبنان، ومن المفترض أن تكون الدولة اللبنانية على الحياد، لكن لا يجوز أن ننسى أن هناك قضايا محقة يمكننا أن نعطي رأينا فيها، فأنا لا أؤيد أردوغان باستغلاله الرخيص للرسوم الكاريكاتورية المسيئة لمهاجمة فرنسا، وإقدامه على التحريض والتعبئة القومية، مما قد يؤدي إلى أعمال إرهابية في فرنسا”.
ولفت إلى “أن التوتر التركي الفرنسي قديم، ويعود إلى أيام الرئيس نيكولا ساركوزي، ثم إشكالية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مروراً باعتراف فرنسا بالإبادة الأرمنية عام 2001، حتى أن الفرنسيين حاولوا إصدار قانون تجريم إنكار الإبادة لأنهم يحملون هاجس حقوق الإنسان، وصولاً إلى النزاع السوري وهجوم تركيا على الأكراد وقبرص واليونان وليبيا، كل هذه الملفات الخلافية بين الأتراك والفرنسيين ليست ابنة ساعتها، بل هناك تراكم خلافات كان آخر فصولها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد والتحريض التركي والعمليات الإرهابية التي حصلت في فرنسا”.
ويؤكد قيومجيان “كلنا ضد الإساءة للنبي، لكننا أيضاً ضد ردة الفعل الإرهابية وتبرير ردة الفعل. هناك هوّة بين الثقافة الغربية وثقافة بعض الشعوب الإسلامية، فالغرب يعتبر هذه الرسوم من حرية التعبير، أما بعض المسلمين فيتعاطون معها بالعنف والقتل، وهذا ما يجب أن يكون مرفوضاً دينياً وبالمنطق الإنساني”.
يشدد قيومجيان على أن رفض التدخل الأجنبي في لبنان هو مسألة مبدأية للقوات، مضيفاً: “نحن ضد تدخل أياً كان في الشؤون اللبنانية. كل سنة في 24 حزيران تحيي معراب ذكرى الإبادة الأرمنية وربما يزعج هذا الأمر الأتراك، لكن هذه قضية محقة بالنسبة إلى القوات، كذلك زار وفد قواتي الأسبوع الفائت المرجعيات الروحية والأحزاب الأرمنية تضامناً مع إخواننا الأرمن في آرتساخ أو ناغورنو كاراباخ، وذلك انطلاقاً من حق تقرير المصير والقضايا الإنسانية العادلة”.
وختم قيوميجان: “لكن لنكن موضوعيين وواقعيين، هل لدى تركيا حزب مسلح في لبنان؟ وهل تعمل تركيا على تمويل وتدريب منظمة مثل حزب الله؟ ربما يكون للأتراك وجود استخباراتي في لبنان كأي دولة أخرى، لكن لا معطيات لدينا عن هذا الموضوع، ولم تعلن الدولة اللبنانية عن أي شيء من هذا القبيل، ولا نريد أن نفتري على أحد. نحن لا نرضى إلا بلبنان أولاً، وألا يكون لدينا أي ارتباط عضوي بأي دولة”.