“الشتوة” الأولى: “أول وصوله شمعة على طوله”
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
“أول وصوله شمعة على طوله”، بهذه الكلمات استقبل أبناء مدينة صيدا ومنطقتها تساقط الامطار للمرة الاولى بعد طول انتظار. وصول جاء مفاجئاً بغزارته ومن دون مقدّمات، ومصحوباً بعواصف رعدية قوية ورياح ناشطة، فغمرت المياه الشوارع ودخلت بعض المحال والمنازل وتسبّبت بانقطاع التيار الكهربائي مراراً ما ادّى الى احتراق العديد من لمبات الإنارة المنزلية والآلات الكهربائية.
وكشفت غزارة الأمطار على صيدا متانة البنى التحتية للمدينة لاستيعاب “الشتوة الأولى” بكلّ تداعياتها ومُماشاتها مع التطوّر العمراني والكثافة السكنية، باستثناء بعض الأحياء السكنية والشوارع التي غمرتها المياه، بسبب عدم قدرة المصارف على استيعاب كمّية المتساقطات دفعة واحدة، فشكلّت أملاً وسط الأزمات المتتالية من الضائقة المعيشية والاقتصادية مروراً بجائحة “كورونا”، وصولاً الى الفراغ الحكومي الذي يجعل ثقل الأزمات أشدّ وأصعب.
عند الطريق البحري، أجبرت المياه التي غمرت الشارع يونس سنبل على خلع حذائه ورفع بنطاله للعبور من منطقة الى أخرى، قاصداً محلّ إبنه، قائلاً: “فاجأتنا الأمطار بغزارتها، لم ينقطع لها خيط منذ ساعات، ويصحّ عليها المثل الشعبي القائل “أول وصوله شمعة على طوله”، في إشارة الى بدء الأمطار وبغزارة أيضاً، فيما فجّرت الحاجة “أمّ حسن” جام غضبها، بعدما غمرت المياه غرفة تخزين صغيرة في منزلها عند أطراف المدينة القديمة، قائلة: “في كلّ عرس لنا قرص”.. هذا حالنا في الخريف، فكيف بفصل الشتاء وكأنّه لا يكفينا ما نعيش من مصائب”؟ في المقلب الآخر، كان فهد رمال يجرّ عربة الخضار المتحرّكة وهي مليئة بالبندورة سعياً وراء رزقه اليومي، قال: “الحمد الله اننّي أملك هذه العربة الجوّالة، أتحكّم بها كيفما أشاء، وليست سيارة والا لكنت واجهت مصاعب كثيرة”. بينما استنفر رئيس البلدية محمد السعودي فرق وورش البلدية والإطفاء لمواجهة تداعيات العاصفة والأمطار الغزيرة، ومدّ يد المساعدة للمواطنين حيث تدعو الحاجة.
واستبق عشرات الصيادين وصول العاصفة، وأبحروا مساء الثلثاء ليعودوا مع وصولها فجر الأربعاء الى مينائهم بما حملته شباكهم من خير البحر. انصرف معظمهم الى تثبيت مراكبهم في مراسيها داخل حوض الصيادين تحسّباً لإشتداد العاصفة اكثر، حيث توقّع نقيبهم نزيه سنبل أن “يستمرّ الطقس عاصفاً وماطراً ليومين، ما يفرض ربط المراكب وشدّ وِثاقها وعدم ارتياد البحر بإنتظار هدوء العاصفة”.
ولم تتأثر حركة الملاحة البحرية في المرفأ بالعاصفة في ساعاتها الأولى، ورست على رصيف المرفأ فجراً باخرة تجارية تمهيداً لشحن حمولة خردة على متنها. وتوقّعت مصادر ملاحية أن تشتدّ سرعة الرياح ما يؤدّي الى ارتفاع الموج والأنواء البحرية وربّما وقف الحركة الملاحية.
وفي حيّ تعمير عين الحلوة الشعبي، غمرت مياه الأمطار المحلات التجارية والطرق، وعملت فرق بلدية صيدا على إزالة النفايات التي سدّت قنوات المياه في المنطقة. وقال المسؤول في البلدية “أبو وائل” الكبش: “قمنا بتنظيف مياه الصرف الصحّي لأنّ الفيضانات كانت بسبب تدفّق المياه من منطقة الطوارئ القريبة”.