هكذا يستغني لبنان عن مليارات صندوق النقد!
إذا كان أيلول شهر الإستحقاقات السياسية فهو بالتأكيد موعد التحديات المالية لجهة تحديد مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإقرار الإصلاحات وتوحيد سعر صرف الدولار. وإذا كانت الحكومة تسعى إلى كسب رضى صندوق النقد من أجل الحصول على ملياراته المعدودة، فإن الإستغناء عن هذه المليارات ممكن ومن خلال خطوات معاكسة للمسار الذي تنتهجه الحكومة في مقاربة الأزمة المالية، كما كشف رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، والذي تحدث عن القدرة على توحيد سعر صرف الدولار، وذلك من خلال تعديل قانون قانون النقد والتسليف.
وحدد الدكتور مارديني ل”ليبانون ديبايت” ، هذه التعديلات، بممنوعات ثلاث: منع المصرف المركزي من إقراض الحكومة بأي شكلٍ من الأشكال، ومنع المصارف اللبنانية من إيداع أية مبالغ في المصرف المركزي، ومنع المصرف المركزي من زيادة حجم الكتلة النقدية إن لم تكن مُغطّاة مئة بالمئة بالدولار. وشدد على أن هذه التعديلات كفيلة بتحقيق الإصلاح إذا تزامنت مع إنشاء مجلس النقد، وبالتالي، سيصبح توحيد سعر الصرف ومن دون توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، هدفاً ممكناً.
في المقابل، كشف مارديني، أنه في ظلّ قانون النقد والتسليف الحالي، سيكون من المستحيل توحيد سعر الصرف من دون توقيع اتفاق مع صندوق النقد، وبالتالي سوف تستغرق الإصلاحات سنوات عديدة، بينما إنشاء مجلسٍ للنقد، سيؤدي إلى توحيد أسعار الدولار وخلال مهلة لا تتخطى 30 يوماً فقط. وأكد أن هذا الخيار مطروح اليوم، ولكن الحكومة ترفضه وتتجه نحو الخيار الطويل الأمد، لأنها تضع في أولوياتها توزيع الخسائر، أي تعتمد الخيار الذي يؤذي اللبنايين وبشكلٍ يومي، لأنه يؤدي إلى الإرتفاع الجنوني للدولار في السوق السوداء وانهيار الليرة، ما ينعكس بشكلٍ كارثي على مداخيل اللبنانيين.
وإزاء هذه التوجهات التي لا تأخذ في الإعتبار معاناة اللبنانيين، توقّع مارديني، أن تتمّ الإطاحة أيضاً بالمفاوضات مع صندوق النقد، مشيراً إلى أن بعض الأحزاب السياسية في السلطة، تعارض أي اتفاق مع الصندوق، كونها تريد أن تواصل الإنفاق من دون حسيب ورقيب، كما حصل في خطوة الدعم الفاشلة والتي بلغت كلفتها 7 مليارات دولار، وكانت نتيجتها، انقطاع كلّ السلع المدعومة من محروقات ودواء وسلع غذائية، إضافةً إلى تهريبها للخارج.
ولفت إلى أن بعض الأطراف السياسية التي تُعلن دعمها للإتفاق مع صندوق النقد، تعمل فعلياً لإجهاضه، لأن مصالحها الخاصة، تقتضي استمرار الصرف وسياسة الدعم الفاشل، ويدعمها في هذا التوجه، بعض المصارف التي ترفض إعادة هيكلة القطاع، كونها عاجزة عن الإستمرار.
ورداً على سؤال عن تطور سعر الدولار في المرحلة المقبلة، بعد مغادرة المغتربين وتراجع حجم كتلة الدولارات في السوق، أكد مارديني أن سعر الدولار سيواصل الإرتفاع وبشكلٍ تصاعدي وهادىء وليس بوتيرة “جنونية”، أي أن الإرتفاع سيتواصل وانهيار الليرة سيتواصل أيضاً، طالما أن الإصلاح لم يتحقق والعجز في الموازنة العامة على حاله، بينما الحكومة تصرّ على تمويل العجز عن طريق المصرف المركزي.
وعن السبيل إلى تفادي هذا السيناريو، يقول مارديني، أنه يتحقّق من خلال مبادرة الحكومة إلى وقف تمويل عجزها، وتخفيف نسبته، ما سيسمح ببدء الحديث عن استقرار سعر الصرف.