لبنان “يرزح” تحت عبء النزوح… أرقامٌ ومعطيّات خطيرة!
إستفاقت الدولة اللبنانية بمُختلف تيّاراتها وأحزابها على حجم “العبء” الذي يرزح تحته بلد الـ 10452 كلم مربع، حيث باتت “هجمة النازحين واللاجئين” تستنزف كل مُقدراته وتترك أبناءه عرضة لخطر الفقر الذي بات يدقّ أبواب 80 % من الأسر اللبنانية والذين يفتقدون اليوم أبسط مُقومات الحياة من ماء وكهرباء وحتى غذاء.
هذه الإستفاقة من رئيس الجمهورية إلى الحكومة والأحزاب أثمرت تشكيل لجنة وزارية لدرس أمور عودة هؤلاء الآمنة إلى سوريا، لكنّ هذا الأمر يستوجب وفق المُراقبين تحقيق شرطيْن أساسيين وهما التواصل مع الحكومة السورية التي لا يريد بعض الأطراف التواصل معها ولو على حساب بقاء النازحين في لبنان، والثاني الإفراج عن القرار الدولي بإعادة هؤلاء إلى ديارهم.
وتستمرّ المساعي لإيجاد المخارج المُناسبة لهذه العودة لا سيّما على الصعيد الرسمي، حيث تُعقد اللقاءات المُكثفة في وزارة الخارجية التي توجَّهت منذ أيام بكتاب إلى الإتحاد الأوروبي إستعرضت فيه حجم الأزمة التي يُعانيها لبنان جرّاء النزوح ملوّحة بمراكب اللجوء التي لن يتمكّن لبنان بعد اليوم من منعها، وكذلك يجري العمل عبر وزير شؤون المهجرين لتنشيط الإتصالات مع الجانب السوري.
وتلفت مصادر مُواكبة للملفّ، أنّ “المُعترضين على عودة اللاجئين بحجّة ملاحقتهم من الأمن السوري بأنّ هذه الحجة تسقط مع عدم ملاحقة أيّ سوري من الـ 75 ألفاً الذين عادوا إلى سوريا خلال الفترة الماضية وكان بينهم الكثير من المعارضين للنظام، ولم تتم ملاحقة سوى 11 منهم يتهم جنائية بعيدة عن المواضيع السياسية.
ومن غير المُستبعد أنْ يؤدّي تفاقم وجود النازحين إلى زيادة منسوب التوتر وربما الفوضى الأمنية في ظلّ إشكالات مستمرة بين النازحين واللبنانيين التي تشهدها مناطق متعددة.
ولا يخفي في هذا الإطار، عضو تكتل لبنان القوي النائب أسعد درغام في حديثٍ لـ “ليبانون ديبايت” أنّ هذا “الملفّ يشكل أهم الأسباب التي أدّت إلى الأزمة المالية في لبنان، أمّا ما ساهم في تفاقمها فهو الغياب التامّ لدور الدولة الرسمي الفاعل، ولكن الأخطر من وجهة نظره هو ما ينتظرنا في المستقبل لأن النزوح بات يُهددنا على الصعيد الديموغرافي فمقابل 6 مواليد من النازحين هناك مولوداً واحداً لبنانياً، أيّ بعد 10 سنوات سيتغيّر وجه لبنان بأكمله حيث يُصبح اللبنانيون هم الأقلية فيما السوريين والفلسطينيين هم الأكثرية”.
وإذْ يلفتُ إلى أنّ “موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي”، يقول “بضرورة عودتهم فإنّ المجتمع الدولي يحثّ لبنان على ضرورة التواصل مع الحكومة السورية قبل إعادتهم”.
ولكن النائب درغام يُوضح أنّ “المجتمع الدولي متواطئ مع بقاء النازحين ولا يشجع لبنان على التواصل مع الحكومة السورية”، ويلفت إلى أنّه “هناك فريق كبير من اللبنانين مدعوم من بعض الدول الخليجية والدولية يرفض التواصل مع الحكومة السورية”.
وجاء في الملخص التنفيذي للدراسة التي إستندت إلى القوانين والدستوروالاتفاقيات العالمية:
• قانون تنظيم الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962″ الذي نصّ في المادة /17/ منه على صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام، والمادة /32/ من القانون عينه، التي نصّت على معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان، فمن يدخل إلى لبنان بصفة غير قانونية سعياً للجوء من الاضطهاد أو بصفة غير قانونية للغرض ذاته ويبقى في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنهم مهاجرين غير شرعيين ويتعرضون للاعتقال والسجن والغرامات والإخراج (الترحيل).
• إن أي شكل من الدمج المحلي هو غير دستوري وبالتالي ليس خيارا ً متوفراً. فقد نصّت الفقرة “ط” من مقدمة الدستور على ما يلي:
“أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين”.
• قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في 15 نيسان 2019 والذي قضى بترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية، ويستند هذا القرار على اعتبارات بأنه لم يعد هناك من سبب للجوء السوريين إلى لبنان وأن أسباب الخوف من قمع السلطات السورية لم تعد قائمة بشكل عام.
• اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951، وأعقبها بروتوكول العام 1967 التابع لها؛ والتي لم يوقّع لبنان عليهما كما أنه ليس لديه قانون داخلي مطبق للاجئين، وبالتالي فإن لبنان متحرّر من أي التزامات لمعاملتهم كلاجئين إلا أنه يبقى ملتزماً بضمان الحفاظ على حقوقهم الإنسانية.
• بتاريخ 9/9/2003 صدرت عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع وزير الداخلية والبلديات والمدير العام للأمن العام اللبناني مذكرة تفاهم حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان حيث ورد فيها على أن ” عبارة “طالب لجوء” وحيثما وردت في هذه المذكرة، تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان”، مما يشير إلى أنه لا يمكن إعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، كما تنصّ الفقرة الأولى من هذه المذكرة على أنه ” لا يجوز لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يتقدم بطلب لجوء لدى مكتب المفوضية بعد انقضاء شهرين على دخوله إلى لبنان”.
• وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين “يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية وأن من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، ينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان و كرامة”.
• اللجنة الثلاثية المشتركة “لبنانية سورية أممية” التي يتم العمل عليها لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم بشكل آمن ومنظم.
ونبّهت الدراسة إلى ما يلي عند ترحيل النازحين السوريين:
• إن السلطات اللبنانية ملزمة قانوناً بمنح أي مواطن سوري موضوع قرار الترحيل الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال اليه، ذلك لأنه متعلق بالقواعد الإنسانية العامة والمحمية بموجب القانون الدولي حيث تنصّ في الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني على أن ” لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء”.
• نصّ المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1948 التي انضم إليها لبنان في العام 2000، والتي تنصّ :”
1- لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده(“ان ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
2- تراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية
ومن وجهة النظر الاقتصادية لإستمرار النزوح السوري فإن أحداً لا ينكر العبء الكبير لهذا الملف على الوضع الاقتصادي والنقدي، إلّا أنّه من وجهة نظر الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة “ليس هو المسؤول المباشر عن الأزمة بل لا يجب تحييد المسؤولية المباشرة للدولة التي لم تقم بالاصلاحات الضرورية لتلافي الوقوع بالازمة”.
ويتحدث بروفسور عجاقة لـ “ليبانون ديبايت” عن 3 شروط للنزوح أو اللجوء:
-الشرط الأول هو لأن يكون هناك نقصاً ديموغرافياً في البلد المستقبل للاجئين.
-الشرط الثاني أن يكون اقتصاد البلد المُستقبِل قوياً بحيث يوفر فرص عمل للاجئين تحسباً لعدم حدوث مشاكل مع السكان الاصليين.
-ان لا تتجاوز نسبة اللاجئين 1% من نسبة عدد سكان البلد.
ويلفت إلى أنّ “لبنان لم يتقيد في استقبال اللاجئين بهذه الشروط منذ بداية النزوح ولم تعِ الدولة لهذه الشروط والا ما سمحت بهذا النزوح الى لبنان.
ويؤكّد أنّه “منذ اليوم الأول للنزوح كانت الكلفة الاقتصادية كبيرة ولا أحد من مؤيد أو معارض يستطيع أنْ ينكر هذا الواقع، ولكن ما زاد في تفاقم العبء عدم إلتزام بعض المؤسسات الدولية التي تعهدت بالمساعدة عبر شراء المنتجات اللبنانية لتوزيعها على النازحين ، على رغن ان هؤلاء النازحين يستهلكون البنى التحتية من ماء وكهرباء وطرقات وغيرها الا أن المؤسسات الدولية لم تقدم الدعم الى الدولة اللبنانية في هذا الاطار.
لكن البروفسور عجاقة يرفض تحميل اللاجئين أسباب الأزمة كلها، لأن الوضع اللبناني كان يتجّه بالأساس لهذا السيناريو فماذا فعلت الدولة من 30 سنة إلى الآن؟ أما الآن فنحن بحاجة الى اصلاحات ضرورية لأنه لو عاد النازحون الى بلادهم فإن الوضع الاقتصادي لن يتغير”.
وإذْ يعتبر أنّ “اللجوء أقل ضرراً من التهريب”، لكن في تعليقه على الأموال التي يتقاضاها السوريون بالفرش دولار فيكشف أنهم “يصرفون جزءاً منها في لبنان ولكن بالمقابل يشترون أيضاً دولارات تذهب إلى الخارج ممّا يؤثر على سوق الصرف”.
ولا تنفي مصادر أمنية لـ “ليبانون ديبايت”، أنّ “التوترات التي نشهدها تحدث بسبب الضغوطات المعيشية التي يعاني منها اللبناني، فلن يستمرّ بقبول مشاركة اللاجئ له في الماء والكهرباء والخبز وإذ يُتوقع أنْ ترتفع نسبة الإشكالات بين الطرفين إلّا أنها لن تتعدى الإشكالات للذهاب الى حرب بين الطرفين ولكنها برأيه ظاهرة غير صحية في ظل الازمة الكبيرة التي يعاني منها لبنان، مؤكّداً أنّ “الأجهزة الأمنيّة ستكون بالمرصاد لكل ما يمكن أن يخلّ بالأمن”.