الحملة على المولّدات: “يا فرحة ما تمّت”!
كتب فؤاد بزّي في “الأخبار”:
استبشر أهل الضاحية الجنوبية خيراً أواخر شهر تموز الماضي مع انطلاق حملات أمنية جديدة بقيادة جهاز “أمن الدولة” هذه المرّة، بهدفين أساسيين، الأول إلزام أصحاب المولّدات بتركيب عدّادات للمشتركين، والثاني الالتزام بتسعيرة عادلة بدل الكيلوواط ساعة. لكنّ حصيلة الحملة لم تتطابق مع حسابات الأهالي للفواتير التي توقّعوا أن يتسلموها. بقيت المعايير غائبة عن كيفية تسعير الكهرباء، وحتى عن العملة المطلوبة للدفع.
بعض أصحاب الاشتراكات التزم بشكل كامل بالتسعيرة الصادرة عن وزارة الطاقة لشهر تموز 2022 (13545 ليرة/كيلوواط)، فيما رفضت الأكثرية الالتزام. حتى درجات عدم الالتزام غير واضحة ومزاجية، منهم من زاد 1000 ليرة إضافية على تسعيرة الكيلوواط، في حين رفعها آخر إلى الـ19 ألفاً. وهناك من زاد 100 ألف ليرة إضافية على البدل الثابت للعدّاد المحدّد في قرار وزارة الطاقة بـ”100 ألف ليرة لاشتراك الـ5 أمبير و220 ألف ليرة للـ10 أمبير”. وبعضهم ذهب بعيداً في التسعير إلى حدود فرض العملة الأجنبية سبيلاً وحيداً للدفع، وأصبح بدل الكيلوواط 0.46 سنت، والبدل الثابت للعدّاد رَاوح بين 5 و10 دولارات! هذا غيض من فيض أحداث مطلع الشهر الجاري (آب 2022) في منطقة الضاحية الجنوبية. الحاجة الملحة للكهرباء تدفع الناس لتغيير أماكن سكنهم. أحد أرباب الأسر نقل معيشته إلى حيّ آخر، ساعات التغذية الكهربائية فيه أكثر وسعرها “أقرب إلى القلب والجيبة”.
ينقل المشتركون في هذه المنطقة روايات أقرب إلى أفلام الجاسوسية. أصحاب المولّدات يتملّصون بكلّ الطرق الممكنة، فيسجلون على الفواتير عبارة “بدل اشتراك” دون تحديد ماهية الاشتراك. آخر لا يذكر على الفاتورة أنّها صادرة عن صاحب مولّد كهرباء، وفي بعض الأحيان يكتب اسم “محل خضار” أو “مطبعة”. كلّ ما ذُكر يخدم هدفاً واحداً: جعل الشكوى من عدم الالتزام أكثر صعوبة لعدم تمكين الناس والأجهزة الأمنية من تسجيل مخالفات واضحة وصريحة. وهنا يفيد محامي اتحاد بلديات الضاحية عباس الغول بـ”تواري أحد أصحاب المولدات عن الأنظار كي لا تُكتب الشكوى بحقه”. ويشير الغول إلى أنّهم في “انتظار شكاوى الناس للتحرك”. ويشرح سبل التحرّك القانونية للاتحاد، إذ سيقوم بتزويد القاضي الجزائي في بعبدا بعدد المشتركين لكلّ مولد، بالتالي “ستكون قيمة الغرامة تبعاً لأرباحه”. ويضيف الغول أنّ “القضاء يستند إلى عدم قانونية وجود أصحاب المولّدات لملاحقتهم، فإنتاج الكهرباء في لبنان محتكر لمؤسسة كهرباء لبنان”، وهذا ما ثبّته مجلس شورى الدولة بالقرار الرقم 190/2019 بعد ردّ مراجعة أصحاب المولّدات المقدّمة لإبطال قرار وزارة الاقتصاد المتعلق بآلية التصريح عن أرباحهم.
يطلب اتحاد بلديات الضاحية من المشتركين التواصل على أرقام محدّدة لتقديم الشكاوى المتعلّقة بعدم التزام أصحاب المولدات بالتسعيرة الرسمية. وبالفعل، يقوم أحد المشتركين في منطقة المريجة بتجربة الاتصال أمامنا، وبعد عدّة محاولات يصله صوت من الطرف الآخر. يستمع بالكثير من التأفّف، وفي نهاية الشكوى، وبدل التصرّف مباشرة أو أقلّه تسجيل الأمر للمتابعة، يقترح على المشتكي أمراً من ثلاثة: تسجيل شكوى في البلدية بالاسم مع صورة الهوية والمستند (الفاتورة)، أو التوجه إلى مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لتسجيل شكوى سرّية، أو الاتصال مباشرة بأمن الدولة. يفضّل المشترك الخيار الأخير كونه “أكثر أمناً وأقل تكلفةً”، ويتواصل مع هذه الجهة الأمنية شارحاً لها أنّه دفع 18 ألف ليرة بدل الكيلوواط، بالإضافة إلى زيادة على الاشتراك الثابت لتكون المفاجأة باقتراح عنصر أمن الدولة على المشتكي “التواصل مع صاحب الاشتراك وإبلاغه بالاتصال به (العنصر الأمني) وسيقوم بحسم 3 آلاف ليرة عن كل كيلوواط”!. يعتبر المشتكي أنّه وصل إلى حائط مسدود، لا يمكنه المواجهة وحده على الأرض، فـ”أصحاب المولدات موجودون بقوة الأمر الواقع على الأرض، ولا مشكلة لديهم في تربية حي بمشترك واحد”. ويختم: “لا أحد يريد أن يكون هذا المشترك”.
لم تقدّم الطاقة الشمسية حلاً دائماً للوصول إلى تغذية كهربائية 24/24. نعم، خلال ذروة ساعات الشمس (من 9 صباحاً حتى 4 بعد الظهر صيفاً) يمكن الاستغناء عن كلّ خطوط الكهرباء الخارجية. ولكن عند دخول ساعات الليل، يذهب النظام الشمسي للاستعانة بمخزونه من الطاقة في البطاريات. ولأسباب تقنية ومادية مرتبطة بحجم البطاريات وعددها وسعرها، لا تستطيع كلّ المنازل المستفيدة من الطاقة الشمسية نهاراً أن تمدّد ساعات التغذية لتشمل ساعات الليل كلّها. وعليه، ما زالت بعض هذه العائلات تستفيد من اشتراكات الأحياء لتغطية هذه الساعات فقط خصوصاً أن الحاجة تزداد إلى المكيفات ليلاً في فصل الصيف.
لجوء أصحاب البيوت المجهّزة بالطاقة الشمسية إلى تركيب عدّادات لم يُرض أصحاب الاشتراكات، حتى مع زيادة ساعات التغذية. ففرضوا العودة إلى نظام المقطوعية مقنّعاً، وذلك عبر “وضع مقطوعة على فاتورة العدّاد”. ففي العديد من أحياء الضاحية الجنوبية، وحتى في بعض القرى، يقوم أصحاب الاشتراكات بفرض قيمة مصروف شهرية على العدّاد. في عين الرمانة على سبيل المثال عليك أن تصرف 50 كيلوواط ساعة أقلّه شهرياً، وفي الغبيري أنت ملزم بدفع مليون ونصف مليون ليرة شهرياً حتى لو لم تكن هذه قيمة ما صرفتَ.